TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نحن والعميل السري لما بعد الحداثة

نحن والعميل السري لما بعد الحداثة

نشر في: 21 مايو, 2013: 10:01 م

هل يُعقل ذلك؟ أو من الأفضل طرح السؤال بشكل آخر: مَن سيصدق ذلك، خاصة وأن الشخص المعني، صاحب القضية نفسه لم يستطع تحمل حقيقة ما حدث؟ ربما يمكن فهم ذلك، إذا عرفنا أن الشخص الذي فرضت عليه مهنته أن يتحول إلى دونجواناً، أو كازانوفا، زير نساء بالأحرى، وجد نفسه فجأة ذاتصباح وحيداً في فراشه، لا أحد معه في بيته، لا أحد يهاتفه، أو ينتظره، والأكثر من ذلك، وجد نفسه بلا عمل. الحياة الجديدة التي على البريطاني مارك كيندي تحملها، جعلته يرفع دعوى قضائية ضد رب عمله السابق، الشرطة السرية البريطانيةربما لكي يتفادى بهذا الشكل الدعوات القضائية التي تفكر بعض النساء "المتضررات" رفعها ضده. فحتى وقت قريب كان الشاب المعروف في أوساط اليسار الأوروبي وأميركا بإسم مارك ستون يصول ويجول بصفته فحلاً "يسارياً" في خدمة المخابرات البريطانية. "لقد عملت ثماني سنوات كعميل سري ومرؤوسيّ عرفوا مع أية إمرأة نمت، لكنهم تجاهلوا ذلك، لأنني زودتهم بمعلومات مهمة جداً. أنهم لم يفعلوا شيئاً لمنع ذلك"، كما صرح المخبر السري البالغ ثلاثة وأربعين عاماً من العمر للصحافة، وهو يقصد، أنهم لم يمنعوه من الوقوع في الحب ببعض أولئك النسوة اللاتي مارس معهن الجنس! وأن الأضرار النفسية التي لحقت به بعد انتهاء كل علاقة حب لا يمكن تعويضها، لذلك يطالب بالتعويض بمبلغ 124 مليون يورو بسبب أضرار جسدية!
ألم نقل أنها قصة غريبة؟ منذ عام 2002 وحتى نهاية عام 2010، العام الذي تم فيه الكشف عن عمله مخبراً سرياً، تجول كينيدي في أوروبا للقيام بعمليات تجسس في الأوساط الراديكالية والحركات المناوئة للعولمة. العديد من الناشطات في الحركات تلك ومن مختلف القوميات في أوروبا وأميركامارسن الجنس مع البريطاني الوسيم، الذي يقترب شكله من الغجري، مع إحداهن عاش كيندي سنوات عديدة. المرأة هذه وإثنان أخريتان من بريطانيا، رفعن دعوة ضد الشرطة البريطانية بسبب "رِهاب عاطفي"، كما جاء في حيثيات الدعوة.
حتى ألمانيا سمحت لنفسها بإستعارة المخبر السري البريطاني الفريد من نوعه، لكي يتجسس لها في مناسبتين.المناسبة الأولى عام 2007 بمناسبة تنظيم ألمانيا لمؤتمر العمالقة الثمانية في مدينة هايلينغيندام، وفي الثانية عام 2009 بمناسبة انعقاد قمة حلف الناتو في بادن بادن. هذا ما اعترفت به أمام الصحافة الألمانية السلطات الأمنية لإقليم ميكلينبورغ فوربوميرن في شمال ألمانيا حيث التقى رؤوساء الدول الصناعية الكبرى في العالم وإقليم بادن فوتينبيرغ في جنوبها، مكان لقاء حلف الناتو. أما في العاصمة الألمانية برلين، فلا يريد أحد تذكر مارك كينيدي بشكل جيد، بإسثتناء تذكر إقامة قصيرة له في المدينة التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى مركز أوروبي إن لم يكن مركزا عالميا كبيرا لحركات مناهضة العولمة.
وحسب ما صرح به المخبر العميل السري نفسه الذي فاق بمعاشرته للنساء مواطنه العميل السابق جيمس بوند، أن إزالة النقاب عن عمله، حطم حياته تماماً. "لقد فقدت وظيفتي وصديقتي وسمعتي"، كما صرح كيندي للصحافة. أحد المتخصصين بالعلاج النفسي شخص مرضه، أو معاناته تحت اسم "رهاب لاحق بسبب إضطرابات ضاغطة". ليس ذلك وحسب،إنما هجرته زوجته التي أخذت معها طفليهما الاثنين. "الشرطة من واجبها حمايتي"، قال كيندي، الذي رغم معاناته تلك، لم يتردد من بيع قصته للسينما!
لكن المخبر يظل مخبراً. مخبر يوم مخبر كل يوم. اليوم يعمل مارك كيندي كمستشار في شركة الأمن الأميركية دينسوس غروب. الشركة تقوم بمهمة تقديم تحليلات وحلول بإحتمالات المغامرة للحكومات والشركات. على صفحة الأون لاين الخاصة بالوظائف لا يتردد كيندي من مدح خبرته بالتجسس. خدماته هذه يضعها تحت خدمة من يريد.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ماذا عن توظيف العميل السري كيندي هذا في بغداد؟ المسؤولون الأمنيون عندنا يحلفون بأغلظ الإيمان، أنهم لم يتركوا شيئاً ولم يجربوه في مكافحة الإرهاب، فلماذا لا يستوردونالعميل السري لما بعد الحداثة هذا، ويحلون لنا عقدة فلول القاعدة والبعثيين، المسؤولين عن الفوضى الأمنية والعمليات الإرهابية، كما تدعي حكومتنا؟ أليست أجهزة أمنية حداثية تحتاج لوسائل حداثية أيضاً؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram