TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لا مكان - بيننا- للمسالمين

لا مكان - بيننا- للمسالمين

نشر في: 22 مايو, 2013: 10:01 م

اللعنة   على من إقترع على مصائر العراقيين ، وراهن بهم عليهم .
اللعنة ، إذ لم يعد أمام العراقي من  خيار  آخر، غير أن يصير جلادا أو يغدو ضحية .
هذه واقعة حقيقية ، لا أمل من استعادتها كلما نودي للاغتراف من نجيع الدم في بلاد الرافدين .
# حين كان  في الخامسة من العمر ، جاءني مغبر الثياب ، دامي الركبتين ، مضرج الخدين ، منتشيا  مفاخرا : إنه  تشاجر مع زميله ، شتمه وأوقعه أرضا ، وسلبه كيس الخرز والدعبل ، لأنه  عيره بلثغة في اللسان ، وحرض الصحبة ان لا يلعبوا معه ، يومها عنفته ، وأنكرت فعلته ، وصحبته لبيت الجار ليرد للصبي كيس خرزه ، ويعتذر منه ويقاسمه بالرضا حلواه ، وليعقد معه عرى صداقة لا تنفصم.
# حين بلغ السادسة ،  نحيت عنه كل أنواع اللعب الحادة والجارحة والأسلحة النارية الخلب ، وبدل رشاشات اللهب والطرقعات ،ملأت أدراج خزانته بـ ( الليكو ) و ( الميكانو ) ومكعبات الأرقام والحروف ، واستبدلت نطاق الرصاص الخلب ، بحقيبة محشوة بالأقلام الملونة والصور .
# في التاسعة ، بدأت لعبة الملاكمة تستهويه ، فمجدت أصابعه عن تلك القسوة ، وقدست كفه عن حل المشاكل بالعنف بدل التفاهم والحوار .وصحبته إلى حيث يضع أنامله على أزرار البيانو ، ليكتشف السر في همس المحبين، وصدح العنادل وهدير الشلال .
 # في الحادية عشرة ، زينت له اختيار أصدقائه بالاختبار ، وقصصت عليه قصصا مسلية ودالة .
# في الثانية عشرة ، عاقبته شديدا لأنه كذب على المعلمة ، ووشى بزميله ، وحاول الغش بالامتحان .
# في الثالثة عشرة ملأت كفه بحبوب قمح وبذور ، وصحبته لحديقة الدار ليتعلم الصبر ويتعمد بالانتظار ، وليشهد معجزة البذرة التي تغدو سنبلة ، والسنابل بيادر قمح .
# في الرابعة عشرة ، وضعته على سلم المكتبة ذات الرفوف العالية ، ليتعرف على أصدقاء كبار ، علماء  ، وفلاسفة  منحوه الكثير وصاروا له أصحابا وخلانا ، وغدت صحبة الكتاب لديه ترقى على جلسة أنس عقيم وثرثرة.
# في الخامسة عشرة ، صححت له مقولة جده :: يا بني ، خير لك أن تنام مظلوما من أن تنام ظالما .ببديل : يا ولدي حاذر مرة أن تنام ظالما ، وحاذر ألف مرة أن تنام مظلوما .......
# في العشرين ، أخذت أرقب بزهو ، تلك الشجرة اليانعة ، رجل يافع ، سديد الرأي ، ينضج بالتجربة ، ويتطاول بالمعرفة ، يتغلب على الصعاب بالأناة والحكمة ، يحب بيته الصغير ، ويباهي بالانتماء للبيت الكبير ( الوطن ) لا يعتدي ويرفض الاعتداء ، لا يغش ، نظيف اليد واللسان والسريرة ، يتوق ويسعى للجمال والأمان والسلام يغمر شعاب الأرض .......
نمت بعدها رغدا ، لأصحو ذات فجر على طرق على الباب عنيف ، وأرى أناسا غرباء ، ملثمين ، يقتحمون البيت ، يحملون الهراوات والمدي  والأسلحة النارية . مزقوا الكتب ، كسروا أواني الزهر ، هشموا أنامل البيانو ، واتجهوا إلى حيث جلس ولدي  يقرأ، أوثقوا يديه بحبل ، وبدأوا يوسعونه ضربا وركلا وشتائم ، ويجرونه ... سدى حاولت منعهم ، كانوا غلاظا وولدي أهيف وأعزل إلا من المعرفة .. سدى حاولت الصراخ :: دافع عن نفسك يا ابني ، لست  أمك إن لم تدفع عن نفسك وعن بيتك كل هذا الخراب .
رمقني معاتبا ، وبسط  كفا  مكبلة ، بيضاء شديدة البياض ،مبقعة بحبر ودم ،   
حين صحوت ... كانت المخدة مبللة بالدمع وأنا في غرفة متواضعة بلندن وولدي ببغداد ،    .. وأخبار الصباح تترى : التفجيرات تتصاعد وحصيلة العملية الإرهابية بالمئات .. بينهم  جمع صبية كانوا في طريقهم للمدرسة .
أيها العالم الحر ! أما من مصير ثالث ، غير أن تكون إما جلادا أو ضحية ؟؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. بلا اسم

    قبل يومين صدم سيارتي المتوقفة شخصا يقود برعونه وقلت له شكرا وتوقف ليتشاجر مدعيا اني استهزأ به , لا ادري من اين اتوا وكانهم اقوام جاءت من كوكب اخر غزت البلاد لتعيث فسادا بكل شيء جميل فيه, نحن الضحايا 95% من الشعب قابعون في بيوتنا مسدلين الستائر ,صامتون ل

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram