كم أحلم خلال جولاتي في المهرجانات السينمائية العالمبة، وخلال متابعتي وتغطيتي لتطاهراتها وفعّاليتها، أن أجد علم العراق يُرفرف عالياً وأن أسارع في مشاهدة وتقديم الفيلم العراقي، أو إلى محاورة مُنحزه. ولا يحدث لي ذلك من منطلق الشعور الوطني و" هوس" الانتم
كم أحلم خلال جولاتي في المهرجانات السينمائية العالمبة، وخلال متابعتي وتغطيتي لتطاهراتها وفعّاليتها، أن أجد علم العراق يُرفرف عالياً وأن أسارع في مشاهدة وتقديم الفيلم العراقي، أو إلى محاورة مُنحزه. ولا يحدث لي ذلك من منطلق الشعور الوطني و" هوس" الانتماء إلى هذا الوطن، بل أيضاً لقناعتي، بأن حضورنا في محفل سينمائي هام كمهرجان "كان" يعني، فيما يعنيه، أن بلادنا ولجت سبيل الاعتيادية والعيش الطبيعي، وبات الاهتمام ينصبٌ على الثقافة والفنون. بطبيعة الحال أعني بالحضور في المهرجان " فيلمياً" وليس حضور الوفود والمندوبين الرسميين الذي لا يُضيفون شيئاً ويكلّفون ميزانية الدولة آلافاً مؤلفة من الدولارات.
هذا الحلم لم يتحقّق، ولن نترقّب شيئاً للعراق مساء غد، الأحد، حين تُختتم الدورة السادسة والستون لمهرجان "كان" السينمائي الدولي بحفل توزيع الجوائز وتسليم السعفة الذهبية إلى أفضل فيلم.
نتيجة هلامية
وإذا كانت نتيجة الدورة السابقة قد برزت منذ منتصف المهرجان بتفضيل، شبه جماعي، لشريط النمساوي مايكل هانيكة "حب" من بطولة إيمانويل ريفا وجان لوي ترينتينيان، فإن الخيارات هذه السنة تبدو أصعب لتقارب مستويات ما لا يقل عن خمسة أو ستة أفلام، يُحتمل أن تنحصر فيها الجوائز الأخرى، إلى جانب السعفة الذهبية، وتبدو أفلام من قبيل " Inside Llewyn David" للأخوين كوين، " الجمال الباهر" للإيطالي باولو سورّينتينو، و " بورغمان" . للفنان البصري الهولندي آليكس فان واريرديم و "الماضي" للأيراني أصغر فرهادي و " حياة آديلا" للفرنسي، التونسي الأصل عبداللطيف كشيش و" الولد على سرّ أبيه" للياباني كوري -إيدو هيروكازو الأوفر حظاً، دون نسيان شريط روان بولانسكي "فينوس الغاضبة"، أو شريط " المهاجر" لجيمس غراي. وفيما يهيمن الإيطالي توني سيرفيلّو على هرم أفضل تمثيل رجالي، ينافسه فيه بينتشو ديل تورو عن دوره في فيلم "جيمي بي" من إخراج آرنولد ديبليشان، تبدو المنافسة النسائية أكثر تعقيداً، فإلى جانب أداء الإيطالية (الفرنسية) فاليريا بروني تيديسكي في بطولة فيلم "قصر في إيطاليا" من إخراجها هي، تبدو بطلة فيلم عبداللطيف كشيش آديلي إيكساشوبولوس قد أزاحت بروني تيديسكي عن العرش المُتوقّع، لتكون الأقوى ومن أدت الدور الأصعب بالتأكيد.
ومهما تكن التوقّعات فإن النتائج التي ستُعلن مساء الغد لن تعني بالضرورة المطلقة صلاحية فيلم ما أو عدمها، فنتائج التحكيم ليست إلاّ وجهة نظر تسعة أشخاص اجتمعوا في لحظة ما لتحكيم الأفلام، وكثيراً ما فشلت على صعيد الجمهور والصالات أفلام نالت سعفة كان أو أسد فينيسيا أو دب برلين.
حضور فلسطيني متميّز
وقابل الغياب العربي الفيلمي عن الدورة السادسة والستين من مهرجان " كان" السينمائي الدولي، حضور فلسطيني لافت ومميّز تمثل بشريطي "عمر" لهاني أبو أسعد، في مسابقة برنامج " نظرة ما" و " Condom lead " للأخوين محمّد وأحمد أبو ناصر، المعروفان بعرب وطرزان أبو ناصر. يأتي المخرجان الشابان من غزّة وأنجزا شريطهما القصير، الثاني، الذي يُعرض ضمن مسابقة الأفلام القصيرة. وبرغم تواجه هذا الشريط مع أعمال أخرى هامة وجميلة، فقد احتل، منذ الوهلة الأولى لعرضه، موقعاً هاماً، ولا يُستبعد أن يحظي أيضاً باهتمام لجنة التحكيم الدولية للأشرطة القصيرة برئاسة المخرجة الكبيرة جين كامبيون.
فيلم في 18ساعة
شريط الأخوين عرب وطرزان قصير ليس في الزمن الذي يستغرقه فحسب (14 دقيقة) بل أيضاً في الزمن الذي استغرقه في الانجاز والميزانية القليلة التي رصدت له، إذْ يقول منتج الفيلم، وبطله الاساسي، رشيد عبد الحميد" أنجزنا الفيلم في يوم واحد، أو بالأحرى في 18 ساعة تصوير فحسب، ولم يكن لدينا أي خيار آخر في ذلك، إذ كنّا استأجرنا معدات التصوير وموقعه ليوم واحد فحسب، ولولا أننا انتهينا من التصوير في ذلك اليوم ما كان بمقدورنا إنجاز الفيلم". إلاّ أنّ عرب وطرزان أبو ناصر يُنبّهان أن "سرعة الإنجاز لم تكن خياراْ فنياً أو تقنياً، بل ضرورة، ولا تعني أننا سنلجأ إليها في كل مرّة، لأن لدينا احترام كبير للعمل الفني ونعتقد أنه، كالوليد، ينبغي أن ينمو في رحم الأم بوقته وأن يولد في الساعة التي ينبغي أن يولد فيها".
وبرغم احتفالية الاستقبال الذي حظي به الفيلم في المهرجان فإن عرب وطرزان ابو ناصر يقفان بأقدام ثابتة على الأرض ولا يبدوان حالمين متسرّعين لإنجاز القادم بسرعة مبالغ فيها ويقولان "نعدّ لفيلمنا الروائي الطويل المقبل بهدوء ولن نتسرّع في إنجازه، لأننا نعتبر حضورنا في مهرجان "كان"، بالإضافة إلى فرحه وأهميته، مسؤولية كبيرة لن نتعامل معها بسطحية واستعجال"ً. ويؤكد منتج الفيلم رشيد عبدالحميد أنّ " اتصالات واسعة مع منتجين ومستثمرين عرباً وفلسطييين بدأت بالفعل، وقد اختارنا مهرجان دبي السينمائي الدولي ضمن المشاريع التي ستُناقش خلال انعقاد الدورة العاشرة في شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل".