(2)
حددت في عمود الأمس سببين لعدم ارتياحي لدعوة السيد عمار الحكيم لجمع شمل "الفرقاء". وصفت الأول بأنه عام وتوقفت عنده. وآخر خاص وهذا الذي أتمنى ان أوفق في توضيحه اليوم.
الدعوة تناولها أغلب وسائل الإعلام العراقية تحت عنوان واحد ومتشابه تقريبا: "الحكيم يدعو لاجتماع رمزي". الذي حيرني او قولوا أقلقني، إذ لا فرق، هو وصف الاجتماع بأنه "رمزي"! باختصار تساءلت: ليش "رمزي"؟ ولماذا اختير هذا الوصف بالذات وهو من الأوصاف او المصطلحات التي تحمل أكثر من معنى. المصطلح الذي يكثر الاختلاف على معناه يتجنبه العلماء والباحثون الجادون. وان تعذر ذلك يلجأ الباحث الى تعريفه تعريفا إجرائيا حتى يقطع الطريق على غير المختصين او المغرضين كي لا يفسرونه على هواهم.
فالرمزية في الأدب عامة، والشعر خاصة، هي عكس الواقعية. ومن الناحية اللغوية نجد "رمزي" ماخوذة من "الرمز"، الذي يعني، كما جاء في لسان العرب "إشارة وإيماء بالعينين والحاجبين والشفتين والفم". وهذا بالشعبي يعني "تصجيم" أو "حسجة". صاحب "الحسجة" لا يحب التصريح ويفضل التلميح. و "رمزي" قد يعني شكلي. فعندما يقال "جرى تشييع رسمي لجنازة فلان او فلانة" هذا يعني ان التابوت الذي رفعه المشيعون لا يحمل جثة الميت الحقيقية.
وهناك من يستعمل مصطلح "رمزي" لاستغفال المقابل. مرة طلب احد أصحاب القنوات الفضائية من زميل لنا ان يعد ويقدم له برنامجا أسبوعيا او يوميا. سأله صاحبنا عن الراتب فأجابه مالك الفضائية "اننا ندفع أجرا رمزيا". رد عليه زميلنا الذكي لا يهم، لكن حدد لي رقما بالضبط لان الراتب "الرمزي" قد يعني دولارا واحدا او عشرة آلاف دولار! هنا تراجع التاجر ولم يعاود الاتصال بزميلنا بل عثر على غيره ليعمل عنده بأجر "رمزي".
لا ادعي بان اي من التفسيرات التي ذكرتها تنطبق على هدف او معنى الاجتماع الذي دعى اليه السيد عمّار. المشكلة بالمصطلح وليست بالدعوة او صاحبها. لهذا أتمنى على صاحب الدعوة ان يطل علينا مرة أخرى ليوضح للناس، قبل السياسيين، ما الذي كان يقصده بالضبط حين قال "اجتماع رمزي". وأقول للناس لأن السيد، وكما جاء في بيانه، يهدف الى طمأنتهم من تداعيات وبوادر الحرب الأهلية. اذكر السيد الجليل بان "الناس أعداء لما جهلوا" لذا يصبح من الضروري ان يفهموا معنى "الرمزية" التي قصدها كي لا يعاملونها بالطريقة ذاتها التي تعاملوا بها مع صاحب مصطلح "الشفافية" الغني عن التعريف.
بصريح العبارة اني ارى وصف الاجتماع "بالرمزي" هو الذي دفع الكثير من الأطراف السياسية ان تتفق على الترحيب به. فدولة القانون ظنت، ما دام انه "رمزي"، لن تكون هناك دعوة لسحب الثقة أو قرار يدين المالكي ويحيله للقضاء كونه أعلى مسؤول تنفيذي وامني قصر في حماية الناس والبلد من شر الإرهاب والإرهابيين مثلما استقتل في حماية الحرامية والمفسدين. وإياد علاوي سيكون مطمئنا لان الاجتماع سيكون مجرد اجتماع "رمزي" فليس من المعقول ان يصدر به قرار إدانة لأنه وجماعته ارتضوا التنازل للولاية الثانية، من اجل مناصب حكومية وأخرى وهمية ومصالح شخصية تجسدت برفع الاجتثاث عن اسمين او ثلاثة من البعثيين وكان ذلك هو هم العراقيين الأول!
أخيرا سأزيد طمعي بسعة صدر السيد حبتين، وانصحه لوجه العراق، ان يدعو لاجتماع "طيني" و"ليس رمزياً". اجتماع لوضع طينة كل سياسي على خدّه أو جبهته فلعله يخاف بعد ان ثبت بأنه لا يستحي. وجدك يا سيد، وخذها مني، بأن الشعب لن يطمئن إلا إذا خاف السياسي.