TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العسكر والابتسامة الزائفة

العسكر والابتسامة الزائفة

نشر في: 26 مايو, 2013: 10:01 م

كثيرون منا يعيشون طوال حياتهم وهم لا يدركون دورَ الابتسامة في إنجاح حياتهم أو إعانتهم على فكِّ معضلات الحياة. وكذلك دورها في ضمان جسد صحي من الداخل لا يتعرض لأمراض العصر. فقد وَجدتْ دراسة أميركية نُشرت العام الماضي 2012، أن للابتسامة دوراً مؤثراً في التقليل من ضربات القلب، ومن زيادة توتر الإنسان. كما أنها تُعين الإنسان على مواجهة الضغوط التي قد يتعرض لها. ومن الناحية الفيزيائية أيضاً، فإن دقيقة واحدة من الضحك المتواصل تؤدي إلى حوالي 45 دقيقة من الاسترخاء بعدها، حسبما توصل إليه الدكتور هنري بابينشتاين أحد أطباء الأمراض العصبية. كما أن البعض لا يوائم بين شعوره الداخلي السلبي تجاه من يقابله وبين ابتسامته التي تكشف عدم صدقه.
ويشير «آلان، وباربارا بيير» في كتابهما «المرجع الأكيد في لغة الجسد» إلى أن الابتسامة الحقيقية تصدرُ عن العقل اللاواعي، وهذا يعني أنها تلقائية، وتسبب تغيّرات على الوجه، بعد مرور إشارات من العقل عبر الجزء الخاص بالعواطف في المخ، فتجعل عضلات الفم تتحرك، والوجنتين ترتفعان، والعينين تتجعدان، والحاجبين ينخفضان. وهذه هي شروط أو ملامح الابتسامة الحقيقية. أما ما يريده منا المصورون عندما نكون في لقطة جماعية عندما يطلبون منا أن نقول كلمة «Cheese» فلا يعبّر عن ابتسامة حقيقية -حيث اللفظة تسحب العضلة الوجنية إلى الخلف فقط -ولكن النتيجة تكون ابتسامة مصطنعة وتبدو الصورة غير صادقة. وكم ممن نقابلهم يبتسمون لنا ابتسامة الـ Cheese؟
وكان ضباط الكمارك في أستراليا يعتقدون أن المُهربين الكاذبين يزيدون من مرات ابتساماتهم، ولكن تحليلات التسجيلات التي أُجريت على أشخاص -طُلب منهم أن يكذبوا عمداً- أظهرت العكس من ذلك تماماً. فعندما كانوا يكذبون، كانوا يبتسمون بشكل أقل، أو لا يبتسمون إطلاقاً بصرف النظر عن ثقافتهم. أما الأشخاص الأبرياء -الذين كانوا يقولون الحقيقة- فقد زادوا من مرات ابتساماتهم. (وهذه معلومة نهديها لجنود السيطرات الذين يحمون ثغورنا من المجرمين .
ولأن كثيراً من السياسيين والبرلمانيين والعسكر الذين نشاهدهم على الشاشات أو في المؤتمرات الصحفية لا ينتبهون إلى دور الابتسامة في معاضدة ما يقولونه، فإنهم دوماً يبتسمون من طرف واحد من الوجه، وبذلك قد يخلقون انطباعاً لدى الحضور أو السائلين أو المشاهدين بأنهم غير صادقين فيما يقولونه. وكثير من العسكر يركزون اهتمامهم على هيئة الجسد واستقامة القامة والاستحواذ على منصة الحديث والإمساك بها بكلتا اليدين. وهم بذلك يهملون دور الابتسامة الصادقة التي يجب أن تقترن بحديثهم.
وتصادفنا في مسيرة الحياة حالاتٌ لابتسامات كاذبة نكتشفها في الحين، وذلك عندما نكون في موقف الضعف أمام شخصية أمنية. فنلاحظ أن الابتسامة مقرونة بنظرة الاحتقار أو الازدراء، أو تحريك الرأس في إشارة للاستخفاف أو خلق جوٍّ من الدونية. وفي هذه الحالة نكون أقرب إلى مقارعة تلك الابتسامة بمثلها، وتتحرك بداخلنا إشاراتُ التَنبُّهِ لما يمكن أن نقوله في تلك المواقف.
والابتسامات المسروقة تلك التي نبتسمها عندما نكون في ظروف قاهرة ومؤلمة، كي نُعزّي أنفسنا، ونسخر من رداءة الحياة «وأنها ما تسوى شيئا» لكي نخفف من وطأة المحن التي نتعرض لها. وهي قد تعين الإنسان على «الاستخفاف» بكل مظاهر الحياة الكاذبة أو الأساليب التكالبية في التعلق بهذه الحياة، حتى لو كلف ذلك كرامة الإنسان. وهذه الابتسامات تكون عزيزة علينا، وتعمل فعل السحر في معالجتنا ورفع الضغوط القاسية عنا.
وكثيرون منا لجأوا إلى الابتسامات المسروقة -تحت وطأة الظلم- في مقابل الذين يبتسمون بنصف وجوههم، وما زالوا بعد سنوات يواصلون تلك الابتسامة، وهم يعتقدون أننا نصدقهم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram