TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > في المسرح.. الثرثرة ضد الإبداع

في المسرح.. الثرثرة ضد الإبداع

نشر في: 27 مايو, 2013: 10:01 م

البساطة والاختزال والوضوح من مبادئ الإبداع في الفن- والفن المسرحي بالذات، فالتعقيد يربك ويشوش ويتوه، والاختزال يزيل التفاصيل المؤثرة وغير المهمة ، ومحيطه ومحفزه الخيال ، الوضوح يوصل الى الهدف ويدعو الى تركيز الانتباه ولكن الوضوح لا يعني النضح او الكشف المباشر، وعندما ركزت السيميوطيا على الدال والمدلول فانها دخلت من باب الوضوح.
اولئك الذين دعوا إلى الغموض في الشكل الفني انما قلة لم تهيمن على الساحة الفنية- المسرحية بقدر هيمنة أصحاب الوضوح، واعداء الغموض، الغموض يمنع التأمل والتأويل، والتأويل من دواعي التمتع بالعمل الإبداعي، وبقدر ما يعطل الوضوح المفضوح عملية التأويل بقدر ما يعطلها التهويم والغموض.
الثرثرة في العمل الفني تخرب البساطة والاختزال والوضوح والثرثرة تدعو الى الملل والى التكرار والى الجمود والى الموت والعمل الإبداعي يرفضها كلها لانه قرين بالتحديد والتنويع والابتكار.
ولا أريد ان اقع في فخ الثرثرة وادخل في الموضوع مباشرة، شاهدت قبل أيام عرضين مسرحيين الأول لكاتبة ومخرجة متمرسة، والثاني لكاتب ناشئ ومتجدد ومخرج ناشئ ومتجدد، وفي كلا العرضين بقدر ما وجدت من جوانب ايجابية ابداعية بقدر ما وجدت فيهما من الجوانب السلبية التي تخرب الابداع واولى تلك السلبيات هي الثرثرة، في العرض الاول بدت الثرثرة في تكرار الصراخ لدى الممثلات علماً ان صالة المتفرجين صغيرة ولا تدعو الى الصراخ بل الى تشديد المشاعر، وبدت الثرثرة أيضاً في استخدام ممثلتين بارعتين لقطع القماش الملون حيث تكرر تعاملهما السطحي معها اذ خلا من اية دلالات-علامات والمسرح شبكة علامات، وبدت الثرثرة كذلك في استخدام قطع قماش ملونة علقت في فضاء المسرح ومن غير دلالة ما وكذلك في الشباك المكسور الذي علق على الجدار الخلفي للمسرح وباللون الأبيض الذي سحب انتباه الجمهور عن اداء الممثلات في كثير من الأحيان وكنت أتساءل لو رفعت المخرجة ذلك الديكور هل سيؤثر ذلك الرفع على العرض؟
وأتساءل ايضاً لو رفع ذلك الديكور الم يكن ذلك افضل لجر انتباه المتفرجين الى الممثلات المبدعات؟
في العرض الثاني كانت الثرثرة قتالة ابتداءً من ثرثرة النص الذي كان المؤلف فيه يقفز من موضوعة الى اخرى من غير تبرير ومن غير بلاغة، فمن الايات القرآنية الكريمة التي طفح بها الكيل الذي حملته احدى الممثلات المتفانيات الى الكلام اليومي الذي يتداوله عامة الناس في الشارع وفي المقهى وفي البيت، الى شعارت سياسية قصد منها استجداء عواطف السذج الى الجمل البذيئة الخالية من الحشمة والتي غالباً ما يستخدمها العاملون في المسرح التجاري.
وكلها اثارت التصفيق المتكرر من بعض اعضاء الجمهور الذي اقتبسوا هذه العادة من المسرح التجاري المصري.
وتكررت الثرثرة في تكرار موضوعات من الحياة اليومية تطفو على السطح ولا تغور في اعماق العقول والنفوس وربما استخدمت للتنفيس، وكانت الثرثرة واضحة في البيئة المسرحية ومفردات المنظر التي استخدمت احياناً كدوال لمدلولات مفضوحة كالسلاسل المدلاة من سقف المسرح والكرات الحديدية ولكن الثرثرة في استخدامها اضاع مدلولاتها احياناً، ولعل اكبر ثرثرة تميز فيها منظر هذا العرض الذي قصد به ان يكون عرضاً لمسرح ما بعد الحداثة، وظهرت في ممرين جسريين امتد احدهما من يسار فتحة (البروسينيوم) الى خشبة المسرح وامتد الثاني من خشبة المسرح الجدار الخلفي من صالة المتفرجين وكلاهما، مع كلفتهما المالية العالية، لم يستخدما الا مرتين للممر الأول ومرة واحدة للممر الثاني وكان ليس هناك من وسيلة أو حيلة مسرحية اخرى لاظهار الصعود الى السماء غير بناء ذلك الجسر الطويل الممتد على طول صالة الجمهور.
نعم اراد المخرج ان يستخدمه دالاً لمدلول عظيم ولكن الثرثرة في طوله أفقدته قيمته الدلالية.لقد وقع (المخرج) في فخ الثرثرة ولولا ذلك ولو اختزل عرضه سمعياً وبصرياً ولو ازال عدم الانسجام بين الموضوعات الشعبية المتداولة والبيئة التجريدية والتقنية غير المألوفة لحقق ما كان يبغي اليه من تقديم نموذج مثالي لمسرح ما بعد الحداثة الذي يعتمد بالدرجة الأولى على العلامة الموجبة وليس على الايقونية المفضوحة كما فعل مع الكرات الحديدية التي بذر في استخدامها.
ويبقى التساؤل قائماً: هل سيبلور هذا النوع من المسرح جمهوراً متذوقاً أوسع مما يحفز هذه الأيام لمشاهدة عروض المسرح.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram