اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > الباعة المتجولون يفرحهم الصيف والاختناقات المرورية

الباعة المتجولون يفرحهم الصيف والاختناقات المرورية

نشر في: 27 مايو, 2013: 10:01 م

الخيبة ،القلق، الخوف، الانهيار ،الشكوى ،التذمر باتت من ملامح وحال المواطن في بلد الأزمات، أما الفرح والسعادة اصبحا من الذكريات بل ضربا من الخيال، حتى أغاني الحزن لم تعد نافعة لأنها ليست بمستوى الألم الذي نعيشه، والمصائب التي نحياها كقوت يومي وخبز دائ

الخيبة ،القلق، الخوف، الانهيار ،الشكوى ،التذمر باتت من ملامح وحال المواطن في بلد الأزمات، أما الفرح والسعادة اصبحا من الذكريات بل ضربا من الخيال، حتى أغاني الحزن لم تعد نافعة لأنها ليست بمستوى الألم الذي نعيشه، والمصائب التي نحياها كقوت يومي وخبز دائم يأتينا مخبوزا في آتون طائفة المفسدين ،أولادنا ينتظرهم مستقبل مجهول ،وعندما يسألوننا عن الغد وماذا سيحدث؟ يأتي ردنا المحبط (الله اعلم)،لان معرفة الغد باتت عصية حتى على فطاحل الباحثين في علوم السياسة والاجتماع. بغداد التي كانت قبلة السهر والسمر، فاتنة الشعراء والأدباء والفنانين بسحرها ويومياتها التي تنعم بالترف الحضاري، تجدها اليوم مدينة موحشة ،الحزن في شوارعها اكثر لهيبا من جحيم صيفها، أرصفتها تعج بصرخات العوز على ألسنة المتسولين والباعة المتجولين، كل شيء فيها يدعو للبكاء، للتشاؤم، ولا عجب ان دعا احدهم للجنون.
أم جاسم والمناديل
أم جاسم التي افترشت احدى الجزرات الوسطية كمقر لبضاعتها (المناديل) كانت توزع على ولديها (جاسم وحازم)إضافة إلى ابنتها(سحر) علب المناديل ليقوموا ببيعها على أرتال السيارات الموجودة عند نقطة تفتيش ساحة اللقاء في منطقة الإسكان، أم جاسم التي فقدت زوجها عام 2007 ولم يعد إلى اليوم تقول إن: حياتي وحياة أولادي باتت مظلمة بعد ان فقد والدهم ولم تعثر على جثته على الرغم من مراجعتها لأغلب المستشفيات ومراكز الشرطة في بغداد ولم تحصل على أية أخبار عنه، أم جاسم التي تسكن في منطقة تسمى الشيشان وهي منطقة عشوائية ولدت بعد التغيير في حي الجهاد، تقول :حرمت أولادي من المدرسة لكي نعيش، لان المدرسة تحتاج إلى مصاريف للملابس والقرطاسية فضلا عن إطعامهم الذي يحتاج إلى المال الكافي ونحن ليس لدينا أي مصدر رزق آخر، لان زوجي كان يعمل حمالا في الشورجة بحسب قولها.

سحر وحلم المدرسة
الطفلة سحر التي لونت أشعة الشمس بشرتها وهي ترتدي دشداشة حمراء تقول: يعجبني ان اذهب إلى المدرسة، لاني أتحسر حين أرى بنات المنطقة وهن ذاهبات إلى المدرسة بزيهن الجميل (بهدومهن الحلوة وجنطهن) ،لكن والدتي ترفض ذلك لأنها تردد دائما(ماعدنه افلوس يمه)،لا أخفيكم باني لم أتمالك نفسي فسمحت لعيوني تجود بالدمع وقلبي يزفر الحسرات إزاء ذلك المشهد المأساوي ،وانهال لساني بالشتائم على من جعل هذه العراقية بهذا الوضع في بلد موازنته تعدل موازنات خمس دول، بلد متخم بالثروات، ولكن طائفة المفسدين أحالته إلى بلد متخم بالأزمات والنكبات والويلات، عدت إلى وعيي لأتوسل بأم جاسم علها تسمح  لسحر بالذهاب للمدرسة وتعتمد على ولديها جاسم وحازم، فقالت لي بتذمر (هاي السنة خلصت، عود على السنة الجديدة اخليها أداوم هاي العجوزية - تقصد الكسولة - متريد تشتغل).

مقتولاً على سطح الدار
تركنا مصيبة أم جاسم وتوجهنا أنا وزميلاي محمود و إياد باتجاه ساحة الأندلس لنجد هناك مصائب لاتعد ولا تحصى.
بائع كارتات الموبايل علوان كيطان من سكنة حي النصر يقول انه: اضطر إلى هذا العمل بعد مقتل ولده حسن الذي كان يعيل العائلة ولديه ثلاثة أطفال ثم لحقته زوجته بصعقة كهربائية، ويقول: وجدت ابني حسن مقتولا على سطح الدار أثناء أحداث 2006،ولم احصل له على راتب شهيد ، لمطالبتي من قبل موظفين في شبكة الرعاية الاجتماعية بمبلغ الف دولار وانا لا املك ذلك المبلغ كما يقول كيطان، مبينا بانه لا يعمل في يومي الجمعة والسبت معللا ذلك بعدم وجود ازدحامات، مؤكدا بانه في أيام الزيارات الدينية تقطع أرزاقهم أيضا ،لان الطرق تقطعها (المشاية) ويحدث أحيانا حظر للتجوال يتسبب في قطع معيشتنا ،ويوضح كيطان بان معدل رزقه اليومي يتراوح ما بين 13-15الف دينار لأنه يقوم بشراء الكارت بسعر(4800)دينار ويبيعه ب(5000)دينار أي إن معدل ربحه على الكارت من فئة خمسة آلاف دولار تبلغ (200)دينار فقط.
12ألف دينار لتسعة أفراد
تركنا كيطان تحت رحمة الشمس في نهار يوم بلغت درجة حرارته صباحا 41درجة مئوية وتوجهنا نحو بائع قطع القماش(البازه)جبار سرحان يقول انه: يأتي صباح كل يوم من محل سكناه في جسر ديالى إلى ساحة الأندلس ليبيع قطع القماش تلك على سائقي العجلات ،مضيفا انه يعمل مضطرا بهذا العمل بعد ان عجز عن الحصول على وظيفة على الرغم من كونه خريج إعدادية التجارة وهو المعيل الوحيد لعائلة تتكون من ثمانية أفراد وهو تاسعهم، مبينا انه في هذا العمل منذ سبع سنوات ،وقد تعرض للحبس أثناء عمله ثلاث مرات تحت ذريعة المتسولين على الرغم من كونه يعمل بشرف ولايمد يده لاحد لان كرامته تأبى ذلك العمل كما يقول سرحان، مضيفا إن سعر بالة القماش التي يشتريها من مدينة الكاظمية هو (90)الف دينار ولكن بعد أحداث سوريا اصبح سعرها(130)الف دينار وهذا ما قلل من نسبة الربح الذي يحصل عليه وقدره (12)الف دينار يوميا، باستثناء يومي الجمعة والسبت وكذلك العطل الرسمية والدينية كما يقول واقسم سرحان بالقرآن الكريم بان العائلة أيام الزيارات الدينية تعتمد على ما تطبخه الحسينيات والسرادق ،لان رزقهم يومي ومقطوع بحسب قوله.
خالد المعوق والمناديل
خالد خميس بائع مناديل في الساحة يعاني من قصر في قدمه منذ الولادة يقول بانه: يأتي من بغداد الجديدة إلى ساحة الأندلس لان الازدحام في الساحة هو مصدر رزقه، موضحا بان معدل ربحه اليومي هو من 10-13الف دينار، وهو اعزب ولديه شقيقتين اضطرتا للعمل في احد معامل الأدوية لأن عائلتهم الكبيرة لايكفيها ما يحصل عليه من بيع المناديل، فضلا عن كون عوقه يمنعه من الأعمال الشاقة كعامل بناء ،لذلك امتهن هذا العمل بعد ان عجز بعد طول مراجعات بالحصول على مرتب من شبكة الرعاية الاجتماعية ،ويؤكد خميس الذي يعمل في هذه المهنة منذ خمسة أعوام إن مرتب الشبكة لايحصل عليه إلا أصحاب الواسطات بحسب قوله.
اللثام هروباً من الفضيحة
ليلى عبد التي تسكن دور الحواسم في معسكر الرشيد في تقاطع الكرادة تواظب على الحضور متسولة في تقاطع الكرادة هي وكرسيها المتحرك لكونها مشلولة ولاديا ،تقول ليلى التي يقارب عمرها (30)عاما انها :تعيش مع عائلة شقيقها الذي لايعمل ،لتصبح المعيلة الوحيدة له ولعائلتها ،مبينة إن معدل المبلغ الذي تحصل عليه هو (25)الف دينار يوميا واحيانا يتجاوز هذا الرقم ،والمبلغ يستهلك يوميا بالكامل على متطلبات المعيشة كما تقول ،وتطابق رأيها مع رأي الباعة المتجولين في مسألة قلة الوارد  يومي السبت والجمعة وكذلك أثناء العطل الرسمية والدينية حيث يتلاشى الازدحام في تلك الأيام ،مؤكدة بان أيام الازدحام هي ذروة الرزق لها ولزميلاتها من المتسولات وعن لثامها تقول اخشى ان يراني احد من الجيران وانا اتسول ويفضحني في المنطقة.

مأساة أم
فاطمة ماضي (90)عاما تفترش الأرض بين ساحتي كهرمانة والأندلس ،وقامت بفرش جزء من عباءتها على الأرض ليضع المتصدق صدقته فيها، ثيابها الرثة ملأتها الأتربة المرتفعة من إطارات العجلات المارة، قبل ان اذهب للحديث معها توجهت إلى الحكومة صارخا ومتسائلا" هذا حال الأم العراقية بوجودكم، وهل الديمقراطية التي تؤمنون بها بهذه القسوة؟،وأين الموازنات الانفجارية؟،وان كنتم بالفعل مسلمين أين رأفة المسلم على أم بلغت من العمر عتيا وهي تتسول على قارعة الطريق ،فاطمة التي تسكن منطقة الكيلاني تقول بانها : فقدت أولادها الخمسة ولم يبق معيلا لأولادهم غيرها، وأربعة منهم راحوا ضحايا في حربي ايران والخليج  والخامس قتل في تفجيرات إرهابية، وبشأن سؤالي عن مرتباتهم التقاعدية تقول زوجاتهم تقوم باستلام رواتبهم ولكنها لا تكفي كونهم جنودا مكلفين بالجيش وليس مطوعين، اما الخامس لم تحصل له على حقوق ولم تراجع الدوائر لعدم معرفتها إلى أين تذهب خاصة وان نظرها ضعيف وعودها يكاد يتلاشى من شدة الإعياء ،موضحة بان واردها اليومي لا يتجاوز العشرة آلاف دينار بحسب قولها.

العمل أو الجوع
تركنا المتسولة فاطمة وذهبنا إلى معاناة أصحاب بسطيات بائعي السكائر والماء.
هيثم مطشر راضي من سكنة مدينة الصدر خريج صناعة ،بحث عن فرصة عمل فلم يجد إلا مقابل (5000)دولار بحسب قوله، مضيفا  إن حركة العمل قد ركدت منذ انتخابات مجالس المحافظات إلى يومنا هذا وازداد الركود بعد إغلاق النوادي الليلية ،ويضيف راضي الذي لديه(بسطية)أمام فندق الشيراتون ان احد موظفي الأمانة يأتي صباحا ويقوم بصحبة الشرطة بطردنا من أماكن رزقنا نضطر الى الانتقال الى هذا المكان وبعد الظهر نعود الى هناك، ويسأل راضي هل الحكومة تريد ان تموت عوائلنا من الجوع فانا أعيل عائلة من خمسة أطفال مع أمهم ونسكن في بيت واحد مع ثلاثة من اخوتي، ولو كانت الدولة حريصة على الشعب لوفرت لنا فرص العمل.
طالب محمد خلف وهو يحمل ترمس الشاي يشارك راضي الراي ويقول : أين نذهب؟،وهل تدفعنا الحكومة إلى السرقة أو قتل الناس كما تفعل العصابات ؟ نتمنى عليها ان تنقذنا لا ان تزيد من معاناتنا بحسب قوله.
الماء مجانا للشرطة
بائع قناني الماء عبد الرزاق حسين خيام(60)عاما يقول :كنت مشغل وحدة في مصفى الدورة ،وبسبب هروبي خمسة أيام من الخدمة العسكرية أيام الحرب العراقية الإيرانية  تم فصلي من وظيفتي، والان قدمت اكثر من طلب لغرض إعادتي ولكن جميعها باءت بالفشل، خيام الساكن في غرفة داخل عمارة بمنطقة البتاوين يوضح بان إيجار المجمدة (1500)دينار وإيجار العربانة التي تحملها ايضا(1500)دينار ،فضلا عن قالبين من الثلج سعرهما(8)آلاف دينار، وعمله يدر عليه ما مقداره (18)الف دينار في اليوم، ويبين خيام انه يعطي لشرطة المرور والنجدة قناني الماء مجانا موضحا بانه لو طالبهم بالثمن سوف يعملون على تمشية السير من غير الالتزام بالإشارة وبالتالي لن يكون هناك ازدحام ولن ارزق بما أتمناه من وارد.

كارت موبايل للسيطرة من اجل الزحام
احدى الشابات التي لايتجاوز عمرها الـ(17)عاما وقفت في ساحة التحرير بكامل مكياجها وهي تبيع علب العلكة وهي طريقة جديدة للتسول، رفضت الحديث مع المدى بقولها(يابه دعوفونا انشوف رزقنا) (شيخ تجاوز عمره الـ(60)عاما يبيع سورا لآية الكرسي لكنه لم يحدد ثمنها، يقول انه يحصل عليها من صاحب مطبعة كل (100)نسخة بخمسة آلاف دينار وهو قد يحصل احيانا على الف دينار للنسخة، احد باعة قناني الماء الذي رفض ذكر اسمه في سيطرة بجانب الكرخ ،اقسم بانه يعطي يوميا كارت (ابو العشرة)للسيطرة في سبيل ان تؤخر سير العجلات وبالتالي تعمل لنا الازدحام الذي من خلاله نبيع كميات كبيرة من قناني الماء وبالتالي يزداد ربحنا الذي يصل في بعض الاحيان الى (50)الف دينار باليوم، لأننا لانعمل بالشتاء لان موسم عملنا هو الصيف بحسب قوله، ويشاركه القول احد المستجدين الموجودين قرب تلك السيطرة.

إحصائيات حكومية
كشف وزير التخطيط علي شكري في تصريحات إعلامية العام الماضي إن نسبة البطالة تصل إلى 33%،وبالتالي لايمكن القضاء عليها  الا من خلال القطاع الخاص والاستثمار، لافتا إلى إن القطاع الحكومي في حالة تضخم، لانه بلغ عدد الموظفين  بين عقد او ملاك ستة مليون، فيما تشير تقارير البنك الدولي ان نسبة البطالة في العراق بلغت 39% وهذا يعني إن عدد العاطلين عن العمل يصل إلى مليوني عاطل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram