يضفي المكان لمسات خصوصيته على أي عمل إبداعي ، تماماً كما يضفي الزمن ، الحياة الثقافية في مدينة هه ولير لاتشبه الحياة في أي مدينة أقمت فيها ، أو زرتها . إنها تختلف عن بيروت ، عن دمشق ، عن بنغازي ، عن القاهرة ، عن دبي ، عن عمان ، ولست أدر
يضفي المكان لمسات خصوصيته على أي عمل إبداعي ، تماماً كما يضفي الزمن ،
الحياة الثقافية في مدينة هه ولير لاتشبه الحياة في أي مدينة أقمت فيها ، أو زرتها .
إنها تختلف عن بيروت ، عن دمشق ، عن بنغازي ، عن القاهرة ، عن دبي ، عن عمان ، ولست أدري إن كانت تختلف عن بغداد التي لم أزرها رغم أنه تم دعوتي إلى فندق الرشيد لمنحي جائزة الرواية عن منظمة كتاب بلاحدود 2012 ، واعتذرت عن الحضور .
تمتاز هه وليربخصوصيتها التي تجعلني أحياناً أشعر بأنني في قلب عاصمة أفغانستان ، وتارة اخرى ينتابني شعور بأنني في قلب باريس ، هكذا تحمل هه ولير النقيضين ، كما أنها تحمل روح الهدوء، وتحمل روح التمرد ، تحمل روح السكينة ، وتعبق بشرارة الانتفاضة .
أحياناً تبلغ ذروة عنادها ، وأحياناً تأنس لمسبحة الترويض .
الهوليريون يقبلون على القراءة بشكل عجيب ، عندما يجوب المرء مكتباتها العامرة ، أو أرصفتها التي تفترشها الكتب مما يذكر بارصفة دمشق والقاهرة ، يمكنه أن يرى إقبال الناس الكثيف على قراءة الكتب المختلفة باللغتين الكردية والعربية ، الناس من مختلف أطيافهم ومعتقداتم ، يقبلون على شراء الكتب المتنوعة من أدب ، وسياسة ، وفقه .
هنا في هه ولير مناسبة لتعرفي على بعض قرّائي خاصة في بعض الأماكن الثقافية ، وهي مناسبة ليطلبوا بعض كتبي ، يحدث ذلك في المكتبات على الأغلب حيث ألتقي غالبا بالنساء اللواتي يقدمن رسائل الدكتوراه .
مما وقع معي أن فتاة تقدمت إلي في إحدى المكتبات وطلبت مني نسخة من كتابي / حساسية الروائي وذائقة المتلقي / الصادر عن وزارة الثقافة والإعلام السعودية 2012 وما لفت نظري أنها قامت بشراء أعداد هائلة من الأعمال التي ستباشر في قراءتها من أجل إنجاز رسالتها النقدية . وما لفت انتباهي هو قيام بعض دور النشر هنا بمشروع ترجمة أعمالي إلى اللغة الكوردية ، حيث حصلوا مني على الموافقة وإعطائي إستحقاقاتي .
هنا يمكنني أن أرى أن أبطال الحراك الثقافي هم عامة وسواد الناس ، بحيث أصبحت لي علاقات ثقافية مع شخصيات أدبية ، وكذلك مع شرائح كثيرة من المعجبين والمعجبات مما يثير حفيظة زوجتي بعض الأوقات بسبب توالي الاتصالات والزيارات وقيام الأصدقاء بأخذنا للتجوال بشكل شبه يومي وفي معظم الأوقات ، رغم أنها تقول بأنها فرصة ثمينة جعلتها تتعرف على سيدات المجتمع الهوليري ، كما عقد الأطفال صداقات مع أطفال أصدقائنا .
هكذا يمضي الوقت ذهبياً ، غنياً بكل ما يمكنني فعله ، حيث أجد متسعاً من الوقت للإستمتاع بالقراءة حتى أوقات متأخرة من الليل ، وقد بدأت تتشكل في بيتي معالم مكتبة أدبية جيدة ، أجد متسعاً من الوقت للإستماع إلى الموسيقى ، ومن كل ذلك تتشكل مادة لممارسة طفوس الكتابة حيث أكتب بعض الزوايا الأسبوعية الثابتة في بعض صحافة هه ولير بموجب إتفاق ، كما أكتب بعض المقالات المتفرقة في صحف ومجلات أخرى تصدر باللغة العربية .
إضافة إلى تلبية بعض الدعوات التي تصلني من بعض صحافة ومجلات الوطن العربي . الكتابة في هذه المدينة التي أقيم فيها منذ نحو سبعة شهور ، تعبق برائحة الجغرافيا الهوليرية ، وبرائحة إرث الإنسان الكوردي ، رائحة أمجاده ، ورائحة إخفاقاته ،
ودماً ما يميز هه ولير الجميلة أنها مدينة متجددة ، تبعث روح التجدد في ساكنها وتشرع أمامه آفاق زهو كتابة جديدة .