خالد شامس كاتب سيناريو، ومونتير، ومخرج أفلام وثائقية ولد في لندن وترعرع فيها، لكنه يحمل موروثاً جينياً ليبياً من جهة الأب، ونكهة جنوب أفريقية من جهة الأم. وقد سبّب له هذا الاختلاط الجيني هاجس البحث عن هويته العربية والجنوب أفريقية على حد سواء، لكنه ا
خالد شامس كاتب سيناريو، ومونتير، ومخرج أفلام وثائقية ولد في لندن وترعرع فيها، لكنه يحمل موروثاً جينياً ليبياً من جهة الأب، ونكهة جنوب أفريقية من جهة الأم. وقد سبّب له هذا الاختلاط الجيني هاجس البحث عن هويته العربية والجنوب أفريقية على حد سواء، لكنه اقتنع في خاتمة المطاف بأنه يحمل هوية كوزموبوليتانية تتيح له التنقل والعمل والإقامة حينما يريد من دون منغصات تُذكر. يعكف خالد شامس حالياً على إنجاز فلمه الثاني "بابا والعقيد" الذي يرصد فيه تجربة والد عاشور شامس الذي ظل مناهضاً لسلطة العقيد معمر القذافي طوال أربعين عاماً أسفرت بالنتيجة عن سقوط الأخير ليتنفس الشعب الليبي الصُعَداء. في الحوار الآتي يسلط خالد شامس الضوء على فيلم "الإمام وأنا" إضافة إلى بعض المحطات الأساسية في حياته الشخصية والأسرية، وفيما يلي نص الحوار:
•منْ الذي ألهمكَ في إخراج فيلم "الإمام وأنا"؟ هل ثمة سبب ذاتي أم موضوعي وراء إخراجه؟
-لقد نشأتُ دائماً على صورة جدي كبطل وشهيد، لكنني لم أعرفه حقاً كجد، وكفرد من أفراد العائلة. كما ترعرعت أيضاً في لندن بموروثي المختلط الليبي والجنوب أفريقي، لذلك فإن سؤال الهُوية كان مهيمناً على ذهني. لقد توفي جدي قبل أن أُولد، ومن خلال ما أعرفه عنه يبدو كأنه عرف هويته الخاصة جيداً. كنت أرغب دائماً أن أرى فيلماً عن الإمام هارون، لكن لم ينجز عنه أي فيلم، لذلك فإنها رغبة شخصية وجزء منها نتيجة الاضطرار طالما أنا أمتلك وسيلة الوصول والأدوات، وأعني بها العائلة وصناعة الفيلم.
•هل أنتَ المُخرج الأول الذي يوثِّق لجالية الملاي في فيلم؟
-قام آي. دي. دو بليسس، وهو أنثروبولوجي ينتمي إلى فوكلور المستعمرة الأفريكانية القديمة بإخراج فيلم يُدعى "ملاي كيب" وكما يمكنك أن تتخيل فإنه أقل من استجواب للجالية وأكثر من ملاحظة. وبقدر معرفتي بالأمر لا يوجد العديد من المخرجين المعاصرين الذين تفحصوا بصورة دقيقة جالية الملاي في مدينة كيب.
•أنتَ لا تحب إعادة التمثيل الدرامي في الفيلم، أليس كذلك؟
-إذا أُديّ بشكل جيد فنعم، ولكن ليس الأمر كذلك دائماً. فإعادة التمثيل هي عملية مكلفة، ولا تؤدي مفعولها دائماً ولذلك فهي إشكالية. ومع ذلك فقد كنت مؤمناً بأن فيلماً روائياً بطاقم كامل للتمثيل يصور السنوات الأخيرة من حياة الإمام ممكن أن يؤدي الغرض المطلوب.
•كيف جمعت بين فن التحريك "الأنيميشن"والتقنيات الوثائقية، والتصوير الأرشيفي؟ وهل لديك ميل للتجريب في هذا المضمار؟
-انبثق فن التحريك من الحاجة الملحة لرؤية الإمام يتحرك. ومن خلال بحثي لم أصادف أي تصوير أرشيفي له، وأنا متأكد تماماً بأنه غير موجود، صدقني لقد بحثت في كل مكان ولم أجد شيئاً من هذا القبيل. وكطفل يكبر كنت مسحوراً على الدوام بغلاف كتاب "قتل الإمام" الذي يصور رجلاً يسقط من سلالم شاهقة. هذه هي الصورة المؤثرة التي نشأت عليها لجدي، وكما أخبرني الشخوص الذين قابلتهم بقصصه كما تخيلتهم في أسلوب غلاف الكتاب. لذلك من المعقول أن أُجسِّد القصص بهذه الطريقة التحريكية. نعم، بالتأكيد أنا كمخرج أود أن أحاول وأتجاوز الحدود بطريقة مزج الميديا، واستعمال التصوير الأرشيفي بطريقة ممتعة، ولكن باستعمال فن التحريك لا أستطيع فقط أن أصور الإمام على وفق الصور التي رويت، ولكنني أستطيع أيضاً، كمخرج مستقل، أن أخلق وأسيطر على أرشيفي الخاص. وهذا مهم جداً في عالم صناعة الأفلام المستقلة حيث تكون إجازة استعمال التصور الأرشيفي عادة باهظة الثمن.
•كيف تقيّم كتاب " قتل الإمام" لبارني ديساي وكارديف مارني، وهل أفدت من هذا الكتاب الذي طبع عام 1978 وأعيد طبعه عام 2010؟
-الكتاب رائع حقاً على الرغم من أن بعض جوانب من حياة الإمام قد تكون زُينت بشكل ما. أنه كتاب توثيقي مهم جداً مناهض لسياسة الفصل العنصري، وحياة هارون السياسية، ومدة سجنه، وتشريح جثته. لقد وجدته مفيداً جداً كأساس أولي للبحث في الفيلم.
•كيف تصف جدك وهل تعتقد بأنه ذهب أبعد من واجباته الدينية وغامر بحياته من أجل جنوب أفريقيا أكثر إشراقا؟
-ممكن أن أصفه بأنه إنساني، ومسالم روحي عميق، ومتأنق جذاب. إنه بالتأكيد ذهب أبعد من واجباته كإمام في صراعه من أجل وطن أكثر حرية.
•قبل سجنه هل رفض الإمام أن يتخلى عن عمله السري؟
-يبدو الأمر كذلك، ومن خلال بحثي أستطيع أن أقول بأنه لم يكشف سر أحد.
•هل تعتقد أن الدين والنشاط السياسي قد تضافرا في حياة الإمام؟
-بشكل جوهري.
•ما سبب عزلة الإمام خلال مدة سجنه، وكيف تصف الإقبال الهائل على عملية تشييع جنازته؟
-قُبض على الإمام بتهمة الإرهاب عام 1967، وعلى وفق هذه التهمة سُجن من دون تحقيق لمدة 180 يوماً، ولم يُسمح له في الاتصال بالعالم الخارجي، وهذا هو سبب عزلته. كان التشييع كما أخبرني الناس غير مسبوق وهذا وثّقتْهُ الصحافة في حينه. عشرة آلاف مواطن غطوا الشوارع الأمر الذي أخافَ القوات الأمنية كثيراً. كما برهن أيضاً وجهة نظرهم لذلك كان عليهم أن يُخرجوا الإمام من هذه الصورة وذلك لإمكانية الإمام أن يجمع الجالية المسلمة.
•كان الإمام متحرراً بطريقة مدهشة مقارنة بالعديد من الذين يمارسون العقيدة الإسلامية في جنوب أفريقيا. كيف تقيّم فهمه المنفتح للإسلام؟
-كان متحرراً جداً بكل مقاييس الممارسة الإسلامية في جميع أنحاء العالم، وحتى في الوقت الراهن. أنا أعتقد بأنه أظهر لنا بأن ممارسة الإسلام ليست عن الإقصاء ويجب ألا تكون مقيدة بحدود التدين المؤسساتي.
•هل تصارع من أجل الحصول على هُوية لأنك من أصول عربية وأفريقية؟
-ليس الآن، لكنني أعتقد بأنني صارعت ذات مرة. عندما كنت مراهقاً وشاباً كنت في صراع دائم مع عروبتي وجنوب أفريقيتي، لكن الصمغ الذي ربط الاثنين معاً كان الإسلام والقبول في لندن الذي دفع العديد من الناس لأن يمزجوا موروثهم وكانوا يشعرون بالارتياح لذلك.
•يكشف الفيلم بأنك تُلقي اللوم إلى حدٍ ما على رجال الدين المسلمين في كيب تاون لأنهم لم يشاركوا في صراعهم ضد سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. هل هناك لا مبالاة إسلامية تجاه سياسة الفصل العنصري؟
-لا أعتقد أنني ألوم أحداً بذاته. خلال بحثي اكتشفت بأن ما فهمته هو الحقيقة وأنا فقط أروي القصة كما اعتقدت أنها حدثت. كان هناك كم كبير من المبالاة تجاه سياسة الفصل العنصري في البلد كله، وليس فقط في كيب تاون. أتمنى ألا تكون القضية أبعد من ذلك، لكن لا أحد يعرف البتة.