على ساحل الفرات حيث تغفو مدينة الديوانية .. ويلفها النخيل السامق ، ونشيد الفاخته يترنم بوضوح .. الديوانية مهد الطفولة والنشأة الأولى كانت المحطة التي توقفت عندها مراسي الفنان المتميز ضياء الخزاعي ليقوم برسم لوحاته في محاولة لاكتشاف المكان مجددا بعد غيابه عنه لسنوات طويلة . العودة إلى الديوانية أنتجت لوحات رائعة ومعبرة جمعها الفنان الخزاعي في معرض أقامه مؤخراً .
وضياء الخزاعي نال العديد من الجوائز الفنية من مركز بغداد للفنون والجائزة الثانية لمسابقة جواد سليم ، والثانية لمسابقة فتاح إسماعيل ترك ، والثانية لمعرض بغداد - أور / اليونسكو وجائزة الإبداع لوزارة الثقافة العراقية .
يقول الفنان الخزاعي :ـ

- لقد أتعبني هذا المعرض كثيرا لأني اضطررت ان اذهب إلى بلدتي الديوانية لأرسم لوحاتي هناك ولمدة اكثر من عام كنت اذهب الى الديوانية ثم أعود الى بغداد وهكذا الى ان أنجزت المعرض .

وقد اطلعت على كتاب الفيلسوف ( باشلار ) جماليات المكان ويتحدث فيه عن الألفة مع المكان والجذر الأول للإنسان مع البيئة . وقد وجدت إن الكتاب قريبا مني لذا ذهبت الى الجذر الأول ( الديوانية ) لأرسم معرضي . وأحسست هناك بالمكان كأني ازوره للمرة الأولى فسمعت زقازيق العصافير وشاهدت اخضرار الأشجار . ووجدت ايضا ان مدرستي الأولى تحولت إلى ساحة وقوف للسيارات .. والمدينة مصابة بالتوحش .

وأشار عن أسلوب الرسم انه امتداد لمعارضه السابقة والتجارب التي خاضها وتقع في منطقة التعبيرية التجريدية وهي تستند على اللون والخط وتغليب احدهما على الآخر .

وأضاف :ـ بخصوص الأسلوب إن مشروعي التجريبي لاينتهي .. وهو يمنحني الفرصة للاكتشاف من خلال البحث والإضافة والحذف وقد ينتهي عمرك وأنت لم تصل الى ما تريد . وكلما ينضج الإنسان تنضج لوحاته ويرى الإنسان ان العمر قد انتهى وليس فيه متسع وعلينا أولا يجب ان نفهم ماهو الأسلوب ... فلدينا تكرار يمارسه الكثيرون لاسيما من جيل الرواد وهذا امر شائك . كانوا يؤسسون شيئا ويخافون عليه فيظلون متمسكين به . وهذا ليس أسلوبا بل هي روحية الفنان, وكيفية إخراجه للعمل تجعلك ترسم كل شيء لكن تبقى روحيته نفسها .. فالكرسي الذي ارسمه مثلا ليس هو الكرسي الذي يرسمه غيري كما ليزا وماتيس حيث يختلف بالفكر وطريقة الرسم المتجددة والابتكار .. وأنا ضد قضية الأسلوب ومع الروحية التي تختلف في التناول والطرح حتى وان انتقل إلى اكثر من أسلوب فني .

وذكر انه أراد ان يقول للناس من خلال المعرض اننا موجودون والعراق موجود وفيه فنانون قادرون على العطاء لأنه اليوم يتهم العراق بأنه خال من الفنانين المبدعين بسبب دخول الكثير من الطارئين على الفن الأصيل ممن يستسهل العمل الفني بدون دراسة و دراية او تجربة موغلة في الأعماق .

وبين انه من جيل الثمانينات وهو جيل الحروب ومنهم فاخر محمد وعاصم عبد الامير وغيرهما. واحتوى المعرض اكثر من 42 لوحة ولديُ لوحات لم استطع ان اقدمها لان القاعة لاتتسع لها علما انني اهتم بالنوع وليس الكم او الكثرة باللوحات .

اخيرا قال ان : ما يدفعني لإقامة معرضي هو ان أقول للناس انا موجود ومازلت أعيش واتحدى الظروف الصعبة ، ولا افكر بالجدوى الاقتصادية التي ربما هي تحصيل حاصل ... وكذلك لقاء الجمهور وجها لوجه للتعرف على إنجازي . وبعد المعرض هناك نية لعرضها في عمان وأخرى في تونس وسأنقل لوحاتي إلى هناك.

و قال الناقد عبد الرحمن طهمازي عن المعرض :ـ

- من الممكن وصف الأعمال الأخيرة للخزاعي بانها ذات علاقة متسلسلة بما سبق له ان قدمه وبأن هذه العلاقة اشتقاقية اكثر من كونها تراكمية او بنيوية , فقد حصل تعويض عن الموضوع المشخص بوساطة بعض العلاقات الارتيابية, بعض الأشكال تقترب من الحرف العربي الاحتمالي كالدائرة ذات الطرفين مثل عقدة مفرغة وهي بين الهاء والتاء المتطرفة او الشكل حـ الذي يتقبل ثلاثة احرف ابتدائية الجيم والحاء والخاء وغير ذلك مما قد يفع الى تحريك دلالة الحرف اذا افترضنا له مجالا في كلمة أو اذا احكمنا إغلاق استقلاله لئلا تتدخل في علاقة قاطعة كالنقطة أو الحركة أو أي مناسبة سردية .