كتب دمتري شوستاكوفيتش (1906-1975) رباعيته الوترية رقم 8 (عمل رقم 110) خلال ثلاثة أيام صيف سنة 1960 في دريسدن الألمانية، بينما كان يؤلف موسيقى فيلم "خمسة أيام خمسة ليال" السوفيتي-الألماني الديمقراطي المشترك عن قصف وتدمير مدينة دريسدن في الحرب العالمية
كتب دمتري شوستاكوفيتش (1906-1975) رباعيته الوترية رقم 8 (عمل رقم 110) خلال ثلاثة أيام صيف سنة 1960 في دريسدن الألمانية، بينما كان يؤلف موسيقى فيلم "خمسة أيام خمسة ليال" السوفيتي-الألماني الديمقراطي المشترك عن قصف وتدمير مدينة دريسدن في الحرب العالمية الثانية. أهدى شوستاكوفيتش الرباعية الكئيبة الداكنة "إلى ضحايا الفاشية والحرب"، وكان يقصد ضحايا الاستبداد الشمولي الستاليني عند إشارته إلى ضحايا الحرب، وكان هو نفسه من ضحايا الستالينية منذ الثلاثينات عندما تصادم مع السلطات "الثقافية" التي منعت عدداً من أعماله وألصقت به تهمة الشكلانية وأجبر على النقد الذاتي مرتين، أي تقييد حريته الإبداعية إلى أقصى حد.
كان على مبعدة خطوة من الانتحار في ذلك العام الرهيب بالنسبة له: مرضه، الضعف الذي دب فيه بسبب أمراضه، وأخيراً استسلامه وخضوعه لضغط السلطة، كلها عوامل فجرت في دواخله ما دعاه لكتابة هذه الرباعية التي تعد جوهرة في فن الرباعية الوترية، بشحنة لا تصدق من العواطف. فقد أسرت الجمهور أثناء عرضها الأول في خريف نفس العام بالموجة الكاسحة من العواطف التي تضمنتها. ومثلما خبأ عواطفه التي بلورت خوفه من الاعتقال والاعدام في 1948 في مارش الجنازة لفيلم "الحرس الفتي"، أخفى مشاعره المريرة التي تفاقمت في 1960 على شكل رموز واقتباسات لحنية في هذه الرباعية.
تعتبر الرباعية سيرة ذاتية استعمل فيها توقيعه الموسيقي: ره، مي بيمول، دو، سي (D,Es,C,H) وهو لحن كئيب ابتدأت به وتكرر استعماله، وهو اللحن الأساسي للجزء السريع من الحركة الثالثة. وسبق له استعمال هذا التوقيع في السيمفونيات العاشرة والخامسة عشرة، وكونشرتو التشلو رقم 1 وغيرها من الأعمال، لكن ليس بكثافة استعماله في هذه الرباعية. كما استعمل ألحاناً من أعماله التي منعتها السلطات الستالينية مثل اوبراه ليدي ماكبث، وتعدى الاقتباس الذاتي ليقتبس جملاً لحنية من فاغنر (غسق الآلهة) وتشايكوفسكي (السيمفونية السادسة). تتألف الرباعية من خمس حركات متصلة، دون وقفات، ويستغرق تقديمها 20 دقيقة.