في يوم ما، غير بعيد، تحوّلت تركيا إلى محجة لقادة حركات الإسلام السياسي، سنة وشيعة، الحاكمين منهم والمعارضين سواء بسواء، فوصول حزب العدالة والتنمية التركي الى السلطة عبر الانتخابات (2002) رآه الحاكمون دعماً لنفوذهم في بلدانهم، والمعارضون تعززت لديهم الآمال ببلوغ كراسي الحكم.
ما من أحد من هؤلاء لم يزر انقرة واسطنبول، بمناسبة ومن دون مناسبة، للتبرك بمصافحة رجب طيب اردوغان وعبدالله غل ورفاقهما، بل ان رئيس حكومتنا، نوري المالكي، لم يفته، قبيل الاتفاق في اربيل على تكليفه برئاسة الحكومة في ولاية ثانية (2010)، أن يزور انقرة للحصول على دعم "العثمانيين الجدد" لما يطمح اليه.
منذ ايام، اثناء ما كانت اعمال العنف تتصاعد في العديد من مدن جارتنا الشمالية، قدّم رئيس حكومتنا نصيحة ثمينة الى الحكومة التركية، وبالذات رئيسها اردوغان.
السيد المالكي أعرب عن القلق حيال التداعيات الأمنية للأوضاع في تركيا، داعياً إلى "ضبط النفس والابتعاد عن العنف"، وهي دعوة بدت موجهة الى الحكومة التركية تحديداً وليس الى معارضيها والمحتجين على سياساتها الذين نزلوا الى الشوارع والساحات منذ اكثر من أسبوع.
هي نصيحة ثمينة لأن تركيا ليست فقط جارة لنا، فنفوذها في بلادنا مؤثر، وكثير مما يحدث لدينا تمتد خيوطه الى أنقرة واسطنبول، واستقرار تركيا، كما سائر جيراننا، يهمنا، لكن السيد المالكي والجوقة المحيطة به ووسائل إعلامهم تعاملوا مع الحدث التركي الأخير من منطلق التشفي والشماتة، والسبب ان اردوغان والجوقة المحيطة به قدّموا من جانبهم ملاحظات وانتقادات ونصائح إلى المالكي تخصّ طريقته في الحكم والإدارة. عدا عن هذا فان السيد المالكي يبدو في نصيحته إلى الحكومة التركية ورئيسها كمن "يُعلّم على الصلاة ولا يصلي".
اردوغان أفلت اللجام لقوات دركه كيما تتعامل مع المتظاهرين بقسوة، وهو بذلك أثبت انه ليس سوى سلطان عثماني جديد ببدلة وربطة عنق. ولكن قبل اردوغان كان السيد المالكي قد أظهر لنا انه لا يختلف عن الحكام المستبدين الذين عرفهم من قبل العراق وسائر دول المنطقة، ففي شباط 2011 أعطى المالكي، وهو وزير الداخلية ووزير الدفاع بالوكالة والقائد العام للقوات المسلحة، أوامره الى قواته لكي تنكّل بالمتظاهرين حدّ قتل بعضهم بعد أن اتهمهم بالإرهاب، وفرض حظراً للتجوال في العاصمة بغداد في أيام التظاهر. بل ان قواته واصلت ممارساتها القمعية حتى بعد أن اضطر أمام تحدي المتظاهرين لإجراءاته الى الإقرار بأن مطالبهم دستورية ومشروعة ووعد بتلبيتها.. ولم يفعل حتى اليوم، بل انه لم يتردد منذ أسابيع عن فعل ما هو أقسى ضد متظاهري الحويجة.
اردوغان حاكم سيئ بالتأكيد، وموقفه المتكبر من المتظاهرين في بلاده يؤكد هذا، لكنه مع ذلك بدا في وضع أفضل نسبياً من وضع رئيس حكومتنا باعترافه بان شرطته تجاوزت حدودها، وهو ما لم يفعله السيد المالكي في أي مرة من عشرات المرات التي تجاوزت فيها قواته حدودها.. ولن يفعله أبداً.
بين المالكي وأردوغان
[post-views]
نشر في: 7 يونيو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 2
متاضل العراقي
عندنا مثل شعبي يقول (الأقرع يعيب على أبو حباية)يجب أن نسمي الأشياء بأسمائها أن الأحزاب الدينية هي لا تؤمن أصلا بالحرية الفردية ولا الديمقراطية ولا التحضر بل الأستبداد والتفرد بالقرار وعلى الباقين الطاعة لئن معتقداتهم انهم وكلاء الله في الأرض ولكنهم في الح
د.حيدري
الاستاذ الفاضل عدنان حسين .. كان الأجدر بك أن تسلط الضوء على فرق الإستقرار الأمني بين البلدين بل غض النظر عن هذه النقطة سلبت من مقالتك الإنصاف الذي بدى واضحا في بعض فقراتها. كما كان عليك أن تذكر ما اقترفته الأيادي الآثمة في ما يسمى باعتصامات الحويجة وغيره