اليوم أريد أن أكتب عن الشيخ السبعيني "عبد الزهرة شيال"، لمحت صورته وهو يرتدي الكفن ويتقدم تظاهرات ذي قار، في لحظة تصنع سحرها الذي سيبقى عبر الأجيال، وتمنح بهجة لكل من يراها.. هي أيقونة تمرد شعبي، بعد أن مررنا بسنوات من الخوف، أراد لنا البعض فيها أن نتحول إلى عبيد تحركهم الدولة متى تشاء، ويراقب سلوكهم رجال "فضيلة" لا يريدون للحياة ان تزدهر في الشوارع والبيوت.. لكن الرجل السبعيني أراد لنا في لحظة اكتشاف مذهلة ان نغادر صمتنا وشعورنا بالخوف والاضطهاد.. فقرر ان يقاوم سلطات الإهمال والتعاسة، سلطات تريد ان تصبح الكهرباء ورغيف الخبز هي كل أحلام وآمال الناس، كما تقول الشعارات الساذجة لحملة مرشحي دولة القانون، فوجدنا مسؤولا يبتسم ابتسامة بلهاء، ويكتب بشيء من البلادة المغلفة بفرح مصطنع، انه سيوفر المولدات الأهلية للناس.. كل الحقوق أحلام.. وإذا كنت تريد ان تحصل على حلم يخبئه المسؤول في درج مكتبه، عليك ان تقرأ كتاب "وصايا المالكي للمواطن الصالح".. لنعيش في ظل دولة معظم مسؤوليها هو كسر إرادة الناس وتحويل حريتهم وأمنهم ومستقبلهم إلى بضاعة يتاجرون بها.
منذ سنوات كان معروفا للجميع أننا دخلنا دوامة "القائد الأوحد" دوامة الرجل المحصن من الأخطاء والخطايا، الأكثر أهمية من شعبه ومن وطنه.. الرجل الذي كل مجده ان يرفع "سبابته" في وجوه الجميع.
فما الذي فعله "صاحب الكفن" ليجعل الأمل يطل من جديد، مقابل سلطة تريد ان تقبض على كل الحريات، فعلها "عبد الزهرة شيال" في هدوء وشجاعة من دون كذب ومواربة ومنفعة. وضع خلفه كل وعود المسؤولين وأكاذيبهم ورفع شعارا واحدا: "الحق في الحلم".. ليشعر السياسيين بضآلة خطاباتهم، وبالصدأ الذي يتراكم على ألسنتهم، كل ما خرجوا على الناس بكذبة جديدة، وليثبت لنا ان البلد ليس "دولة القانون وشعاراتها الزائفة، ولا تظاهرات "مختار العصر"، لقد انتزع "شيال" ومعه متظاهرو ذي قار المستقبل من أيدي محترفي الكذب والانتهازية. وفي صدق أعربوا عن آرائهم وقناعاتهم.. خرج "شيال" ومعه صحبه ليضعوا خلفهم العفن السياسي، ويقبحوا بصدقهم وصفاء نواياهم.. كل شعارات الساسة التي لم يعد أحد يهتم بها، أو يصغي إليها.
ومثل أزمة الكهرباء التي خرج متظاهرو ذي قار وقبلهم في البصرة وبغداد، تحدث أزمات في كل مرافق الحياة يواجهها المواطن بمعزل عن دعم الحكومة ورعايتها، من واجبات الدولة الأساسية أن تحمي الناس ليس بالمفهوم الأمني للحماية، فهذا أصبح صعب المنال،ولكن بمعنى حماية الناس من سوء الخدمات التي تحول فقدانها إلى جهنم يكتوي الجميع بلهيبها. يمكن أن يقول "المبرراتية" إننا وسط جو أمني مشحون وان البلاد تتعرض لهجمة شرسة من الإرهابيين... كنا دائماً نطرح سؤالاً لا نجد له إجابة: لماذا يشكو الناس، ولماذا لا تجد شكواهم صدى عند الحكومة؟ الإجابة تكمن في الجدار الذي وضعته الحكومة بينها وبين الناس. ملايين ومليارات تسرق وتبذر، ولا نسمع سوى شكاوى المسؤولين ومطالبتهم الدائمة بمزيد من المزايا والامتيازات.
والآن هل ستنتهي تظاهرات ذي قار بالسخرية من أحلام الناس، ودعوة المواطنين "الشرفاء" إلى التصدي لأصحاب الأجندات الخارجية.. وأن يتحول كل مواطن إلى مخبر سري، يتجسس على كل من يلبس "كفنا" يواجه به تعنت الحكومة وصلافتها... هل سيباهي المالكي المتظاهرين بأن يرفع إصبعه في وجوههم، مهددا بإجبار اهالي العراق على النوم من المغرب.. وأن يدركوا ان دار الآخرة هي الباقية، ومن يطلب متع الدنيا من كهرباء، وعدالة اجتماعية, وأمان، وضمان مستقبل أبنائه، مصيره جهنم؟!
هل هناك أمل في أن يفهم المالكي الأسير بشعارات دولة "القائد المؤمن"، ماذا تعني ان يخرج شيخ سبيعني يلبس الكفن، رافضا ان ينام ابناء مدينته في ظلام الاسى والعوز والخوف، وهل سيفهم المقربون من رئيس مجلس الوزراء انهم ليسوا اكثر من "كومبارس" هل سيدركون ان الروح التي حركت "عبد الزهرة شيال" ستبقى تهب مثل عاصفة تنزع الاقنعة عن الوجوه الكالحة؟
ودعوني اسأل كيف سيواجه المالكي بكل سلطويته "الاصبعية" شيخا مازال قادرا على حب الحياة.. هل سيشكِّل فريق من جهابذة دولة القانون، لتخرج علينا الزعيمة حنان الفتلاوي تحذر اهالي ذي قار من الشيخ عبد الزهرة شيال الذي يحمل تحت كفنه "مقصا" حديدا يستخدمه في سرقة البيوت والمحال التجارية.. ام ننتظر ان يخبرنا كمال الساعدي بان صاحب الكفن "بعثي" يجب اجتثاثه.