لم يكن مفاجئا شروع إثيوبيا ببناء سد النهضة، فقد ظل هذا الحلم يراود الإثيوبيين منذ خمسينيات القرن الماضي، خصوصاً وهم يرون النيل العظيم ينبع من وطنهم، لكنه ينساب شمالاً وهو يحمل معه كل أسباب الحياة التي حرموا منها، وهم يرون في بنائه اليوم خطوة تنقلهم من بدائية حياتهم إلى أعتاب التحضر، غير أن من الواجب التذكير بأن كل الدراسات أشارت إلى عدم قدرة التربة الإثيوبية على الاحتفاظ بالمياه لفترات طويلة، نظرًا لطبيعتها الجيرية، وهو ما يزيد من احتمال انهيار السدود في هذه المنطقة، ولتفادي هذا الخطر قبل الحديث عن النتائج السلبية لبناء السد، لابد من إعادة النظر في تصميماته الهندسية، والعودة بها إلى ارتفاع 95 متراً فقط، بدلاً من التصميم الجديد، الذي زاد الارتفاع إلى 145 متراً، والتركيز على زيادة فترة الامتلاء لأطول مدة ممكنة، مع اختيار مواسم الفيضانات الكثيفة لملء السد.
عن الآثار السلبية المباشرة على مصر، التي ظلّت على مدى تاريخها تعتمد على النيل كمصدر للحياة، فنشأ فيها نظام زراعي يعتمد على الري، واكتفت بحسب اتفاق دول حوض النيل، الموقع في عشرينيات القرن الماضي، بحصة تقدر بنحو 55 مليار متر مكعب سنوياً، وبناءً عليه خططت مشروعاتها الزراعية، لكن إقامة إثيوبيا للسد، سيخفض حصة مصر من المياه، ما يعني توقف مشاريع استصلاح الأراضي، وتوقف المساحات الزراعية عند معدلها الحالي، وإذا كنا نعرف أن المساحات الزراعية الحالية لا تكفي المصريين، الذين يستوردون أكثر من نصف أغذيتهم، وأن الزيادة السكانية تحتاج المزيد من الغذاء، فإن النتيجة الطبيعية هي زيادة العجز في الميزان التجاري، الذي يعاني عجزاً تاريخياً، كما أن البطالة التي تحقق معدلات نمو مرتفعة، ستتفاقم مع فقدان الكثيرين لفرص العمل في القطاع الزراعي، وإضافةً إلى انخفاض نصيب الفرد في مصر من المياه، فإن نصيبه من الكهرباء التي ينتجها السد العالي ستنخفض، ما سيدفع للبحث عن مصادر بديلة مكلفة في كل الأحوال.
مع الإقرار بحق اثيوبيا في الاستفادة من النيل، فإن تقاسم مياهه محكوم باتفاقيات تمنع بناء سدود على مجراه، يمكن أن تؤثر على حصة دولة المصب، وإذا كانت مصر في عهدي السادات ومبارك، منعت اثيوبيا من تنفيذ السد بوسائل أقرب الى ان تكون عسكرية، فان هذه الوسائل ماتزال متاحة، لكن ذلك لا يعني إغفال الجهد الدبلوماسي، أو استخدام القوى الناعمة عبر الأزهر والكنيسة، ويبدو لافتاً إعلان الرئيس المصري أن الأمر يستوجب من كافة الأطراف، الوقوف صفاً واحداً، لمنع وقوع أي تهديد لمصر، بأي شكل من الأشكال، وتأكيده أنه لن يغض الطرف عن أية محاولة للمساس بحصة مصر من نهر النيل.
لاأحد يفضل نشوب الحرب، ولو بأي شكل من الأشكال، فمصر ترتبط مع إثيوبيا بالعديد من المصالح، التي ينبغي البناء عليها، وليس هدم أسسها، على أن يتم ذلك ضمن مفاهيم أساسية حول حصة مصر المائية، ومهم هنا عدم التعامل مع الجانب الإثيوبي باعتباره الأضعف، مع أنه الطرف الرئيس في الأزمة، وإذا كان البعض يسعى لتوريط مصر في أزمة، لإحراج النظام الحاكم فيها، فإن المواطن المصري سيدفع الأكلاف كاملة غير منقوصة، ولتكن الإتفاقات الدولية الأساس في التعامل مع هذه الأزمة، وغيرها من الأزمات، لكن مهماً هنا التوضيح، أنه بالرغم من رفضنا الحرب بين المصريين، وشركائهم الأفارقة في مياه النيل، فإن التهاون مع بناء هذا السد، سيفتح الطريق أمام بناءات أخرى، سواء داخل إثيوبيا، أو في بقية دول حوض النيل، وسيكون كل ذلك على حساب مصر، التي نعرفها بكونها هبة النيل.
مصر هبة النيل
[post-views]
نشر في: 9 يونيو, 2013: 10:01 م