أكثر من ألف قتيل عراقي خلال الشهر المنصرم!
العودة إلى الطائفة؟
ومتى غادرنا الطائفة لنعود إليها ثانية؟
هل قامت دولة العراق منذ 1921 على أسس طائفية؟
لاحظوا النخبة السياسية والعسكرية التي أقامت هذه الدولة، وأقطابها، وقادة جيشها لتحكموا بأنفسكم.
نشأت دولتنا (وترعرعت) قلقة ومتوترة وغير متوازنة.. حتى حياتها البرلمانية، منذ أول برلمان عراقي حتى سقوطه عام 1958 كانت متذبذبة: إلغاء البرلمان كلما شعرت السلطة بالخطر.
النخب العراقية، تاريخياً، تتحمل المسؤولية كاملة عن صورة البلد متوتراً وغير متوازن، وأخيراً: مفخخاً.
ثقافتنا ومثقفونا يتحملان المسؤولية كاملة عن ماضي العراق وحاضره ومستقبله.
دورات العنف المسلح التي توالت على البلد قادها ونفذها العسكر الانقلابيون.. العسكر المتعصبون دينياً (= طائفياً) وقومياً، الذين تغذت في عقولهم وقلوبهم مشاعر الطائفة المخترقة بالقومية المتطرفة والانغلاق العروبوي ليتولد خليط قوماني طائفاني عسكرتاري مسلح، كان له الدور الأكبر في ترسيم مسار الدولة المضطربة منذ تأسيسها.
إذا كانت الدولة، بمؤسساتها وهيئاتها ومكوناتها، العسكرية والمدنية، كياناَ يقوم على العنف والعنف المضاد، فالمنابع التي تغذي العنف ليست سياسية مجردة ومعزولة وتعمل ذاتياً، بل ثمة "ثقافة" عنيفة تشتغل في طفولة الشارع العام قبل أن تتجسد في عقول النخب الفاعلة، في الدولة وظلالها، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.
.. وإذ ترد "الثقافة" مصطلحاً ومفهوماً، فهي نتاج جملة النشاط الاجتماعي الذي لعب ويلعب فيه المثقفون دوراً بارزاً، مجسداً بنتاج ثقافي وسلوك اجتماعي وبالتالي بموقف ثقافي من مجريات السياسة وصراعاتها ونتائجها، وفي المحصلة النهائية نرى أن مواقف المثقفين العراقيين في الثقافة العامة للبلد (مجموع الحراك العقلي والنشاط الاجتماعي اليومي ارتباطاً بستراتيج العمل الفكري بعامة) جاءت (مواقف المثقفين) تابعة وانتهازية للتمظهرات السياسية للدولة القائمة، في مختلف العهود والمراحل.
في تعبير آخر: شهد تاريخ الثقافة العراقية الانقسام الحاد، ذاته، ارتباطا بانقسام النخب السياسية المحترفة في صراعاتها من أجل السلطة، داخل السلطة نفسها وخارجها، وكأننا، عند النظر إلى خنادق تيارات السلطة الحاكمة، نجد الخنادق، ذاتها، في ساحة النخب المثقفة، ومن تجربتنا المعاشة كان المثقفون العراقيون منقسمين، آيديولوجياً وطائفياً، على غرار قادتهم السياسيين المتصارعين، عسكرياً وسياسياً، حتى أن انقلابات المثقفين كانت أسرع من الانقلابات العسكرية، وبات مصطلح "التغيير الثوري" أكثر حضوراً في تفكير المثقف وأوراقه وإبداعه مما هو في أروقة السياسيين والعسكريين المحترفين ذوي المطامح اللامحدودة في بلوغ السلطة والحفاظ عليها، هذا عدا أن مصطلح "التغيير الثوري" بات هلامياً، ومطاطاً، يلوح به الجميع ضد الجميع.
عند العودة إلى شعارات ومصطلحات الدولة العراقية الحديثة، حتى لو انحسر بعضها تدريجاً بسبب المتغيرات الدولية والإقليمية، كانت محشوة بالبارود المشتعل ليمثل ظاهرة تعبوية عنيفة في نتاج ثقافتنا وفنوننا وإعلامنا، جماعات وأفراداً، ليكف المثقف عن أن يكون ضميراً على غاية الحساسية وهو يرقب احتراق الحياة العامة أمام ناظريه، بل اختار أغلب مثقفينا الركض وراء نِعمِ السلطة ورضاها، وفي أضعف الأحوال لزوم الصمت إزاء عنفها الماثل حفاظاً على امتياز ما، أو على سلامته الشخصية في الحد الأدنى، ولا يكاد يبتعد الموقف كثيراً عن الخوف والخنوع، ولكم أن تقولوا: الجبن.
لو عادت بنا الأيام إلى اندلاع العنف في مراحله المبكرة، وأتيحت لنا الفرصة لتنقيح السيناريو وإعادة كتابته من جديد على افتراض عودة المثقفين إلى غرفهم الخاصة، على غرار عودة العسكر إلى ثكناتهم، لتغير الوضع كثيراً، لأن الدولة العنيفة ستخسر الكثير من أدواتها العنيفة بابتعاد المثقف الموالي للحكم، ولجف أحد أخطر منابع العنف في البلد ألا هو المنبع الثقافي.
ثقافتنا المفخخة
[post-views]
نشر في: 10 يونيو, 2013: 10:01 م