مجالس المحافظات ومفاوضاتها في بغداد والبصرة والمدن الاخرى، يمكن ان تؤشر نضجاً في الأداء السياسي لأكثر من طرف. ويمكن ان تكون "بروفا" وتمرينا على درس تداول السلطة غداة سقوط نظرية "بناء الرجل القوي" بسبب فساد التعريف الشرقي العتيق للقوة.
الاطراف الاساسية بدأت تدرك ان الأمر لم يعد تنافسا بين رجلين على الجلوس خلف مقود العجلة في مناخ اقليمي مصبوغ بالأسود والأحمر. بل هناك سائق لم يحسن تجنب المطبات والمنعطفات، ويمنحه الجميع كل يوم فرصة جديدة فيصر على تبديدها في الغالب والتمسك بنهج يرعب الجميع. الاولوية بغض النظر عن قواعد التنافس والخصومة، هي لتأمين سائق متعقل للعجلة المخبولة. وهذه الحقيقة هي التي ادارت عجلة المفاوضات بين الصدر والحكيم ومتحدون، والقوى الاخرى، وقلبت المعادلة رأسا على عقب في تشكيل الحكومات المحلية ببغداد والبصرة ونحو ٧ محافظات اخرى.
بروفا تقاسم السلطة في المحافظات وبنكهة تفاهمات اسس لها لقاء اربيل النجف قبل سنة، تهيئ خارطة شيعية واعدة لتقاسم المصالح، سيكون من شأنها نقل السلطة وتسهيل المجيء بقيادة متوازنة، واعادة تعريف الشراكة مع كتلة دولة القانون نفسها كثقل وطني ايضا، والاستجابة لنداء الاطراف العراقية المختلفة الذي تسلمه التحالف الوطني، رغبة برؤية دماء جديدة ومتعقلة في الفريق الذي يدير الحكومة، وبشكل يسهل اعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة وقيم التعدد واللامركزية التي طالب بها الجميع في مراجعة شاملة شهدها اتفاق اربيل عام ٢٠١٠.
وما يحصل في مجالس المحافظات يحمل ايضا رسالة مهمة الى الخارج ومراكز القوى الدولية والاقليمية التي ظلت تقول ان هناك "تعسرا في تجهيز البديل الشيعي". وكان هذا ازدراء من طراز رفيع تتعرض له كل الطبقة السياسية العليا في بلد كبير ومعقد مثل العراق. والازدراء هذا لم يأت من فراغ بل اخذ مبرره من ثغرات في منطق وقواعد التفاوض الذي مارسته كل الاطراف. اما اليوم فباتت لدينا نتائج انتخابات تميل كفتها لصالح فريق "شيعة ضد الحرب" الذي مارس ضغوطا على المالكي ليركن الدبابات في "الدشم" ويعد صالونات التفاهم. ان مفاوضات تشكيل الحكومات المحلية مفادها ان الجميع عجزوا عن بناء تفاهم مع رأس ائتلاف دولة القانون، وأنهم ينجحون في تصميم صفقات بديلة رغم صعوبة الظرف وتراجع كل ما يشجع الحوار في بعض اللحظات.
اميركا وايران اللتان تحججتا بعجز شيعي في التوافق على بديل للمالكي، وبتفوق المالكي عدديا، تواجهان اليوم حقائق جديدة. فمشروع "بناء رجل قوي" وضع البلاد على اسوأ حافات الهاوية التي كنا نتخيلها، وهو امر تردده مراكز الابحاث الغربية نفسها. وانسداد السياسة فتح البوابة العراقية امام اسوأ شرور النزاع الاقليمي. والقوى الكبرى قلقة بشدة من نتائج هذا.
وجيد ان العراقيين وافقوا على اكثر من سبيل للتهدئة عبر اللقاء في دار الحكيم، ولقاء المالكي وبارزاني في كردستان، وصولا الى انتخابات ٢٠١٤، والتي سيراقب الجميع خلالها اداء القوى الشيعية التي رفضت فكرة "الرجل القوي" ودعمت عن قناعة بالتعدد، خيار المؤسسة القوية والشراكة الواسعة التي لا توصد باب الحوار والتسويات.
الامر ليس مجرد رسائل للداخل والخارج عن مرحلة ما بعد الاقتراع المحلي، بل ينطوي على أولوية مراجعة لا بد لرئيس ائتلاف دولة القانون وحزبه ان يقوما بها. الاصوات والجمهور الذين انحازوا للمالكي يريدون في النهاية اداء يجنبهم الخسارات. ويريدون اجابات شافية من الفريق السياسي الذي بدد فرصا كبيرة.
والامر ينطوي ايضا على ضرورات الاستعداد للحظة كبيرة في الاقتراع البرلماني بعد بضعة شهور، والذي سيجري في مناخ اقليمي مصبوغ بالأسود والأحمر، ويتطلب من "شيعة ضد الحرب" اقصى عمليات ضبط النفس والتمسك بجملة مبادئ التهدئة وروح الحوار، وتصميم رسائل بحجم المسؤولية للداخل والخارج.
وهناك رسالة لايران التي تبقى شريكاً كبيراً نحتاج تصحيح العلاقة معه وتشجيعه على ان يدرك وسط مشاكله وانتكاساته، ان الامر ليس تنافسا على مقود العجلة، بقدر ما هو بحث سريع عن "قيادة آمنة متعقلة".
وفريق "شيعة ضد الحرب" مطالب بوضع رسالة اخرى للولايات المتحدة التي خسرت الكثير بعجزها وسلبيتها، وهي بحاجة اليوم الى ان تعيد بناء الثقة مع كل الاطراف العراقية ادراكا لشراكتنا الكبيرة معها ومع العالم المتقدم، وايمانا بأن الطرف الشيعي، مستندا لتفاهم عميق مع السنة والاكراد، يدرك مسؤولياته الدولية والاقليمية.
ان ما يجري ليس مناكدة بسبب مقود العجلة، بل امل بأن نتعلم الدرس ونجهز فلسفة بديلة لحفظ تماسك العراق على اساس حديث. والامل ان يستوعب المالكي قبل خصومه، هذا المعنى الحاسم.
بديل المالكي ينضج على مهل؟
[post-views]
نشر في: 10 يونيو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
الشاهين عبدالله
اخي سرمد بغض النظر عن ماكتبته اليوم فانت دائما متالق وانت وللاسف من القليل من العراقيين الذين امتهنوا الصحافه اللذين نتفاخر بهم ونقول ان لدينا محللين وكتاب صحفيين على مستوى راقي اتمنى لك كل التوفيق وان يحرسك الله من كيد الكائدين كما ارجو منك ان تحاول ان ت
عمار
ولكن بكل الاحوال من الافضل ازالة السائق الذي لم يحسن تجنب المطبات والمنعطفات
عهد الوارثين
الجميل فى هذ الموضوع بدا الشعب يفهم ان اربع اقوياء افضل بكثير من واحد قوى والجيد بالموضوع ان المفاهيم تغيرت لدى الكثير بدات السياسة تاخذ واقعها الصحيح ليش مهم ان الرئيس قوى بل الاهم ان القرار يجمع الكثير يكون قوى