TOP

جريدة المدى > عربي و دولي > تظاهرات "تقسيم" تكشف عن انقسام المجتمع التركي

تظاهرات "تقسيم" تكشف عن انقسام المجتمع التركي

نشر في: 12 يونيو, 2013: 10:01 م

- يقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمام بحر من المؤيدين المبتهجين الذين يلوحون بالأعلام التركية ووسط هتافات"الله اكبر"يستدعي روح شعراء الإمبراطورية العثمانية ويندد بالمحتجين الذين يتحدون سلطته. وفي الناحية الأخرى من إسطنبول ترتفع نفس الأعلام

- يقف رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمام بحر من المؤيدين المبتهجين الذين يلوحون بالأعلام التركية ووسط هتافات"الله اكبر"يستدعي روح شعراء الإمبراطورية العثمانية ويندد بالمحتجين الذين يتحدون سلطته.

وفي الناحية الأخرى من إسطنبول ترتفع نفس الأعلام التي عليها رسم هلال ونجمة باللون الأبيض على خلفية حمراء لكن تشير الى ما يرى منتقدو أردوغان انها تركيا من نوع مختلف. وسلطت أعمال الشغب والاحتجاجات الضوء على انقسام كامن في المجتمع التركي يعود الى عشرينات القرن الماضي حين أنشأ مصطفى كمال أتاتورك جمهورية علمانية على أنقاض السلطة الدينية العثمانية. واستبعد الدين من الحياة العامة وبدل حروف اللغة العربية بأخرى لاتينية وروج للأزياء الغربية وحقوق المرأة.
وكانت النتيجة تعايشا غير مستقر في بعض الأحيان لما وصفه البعض"بالأتراك البيض"وهم نخبة علمانية ذات توجه غربي والأتراك السود وهم سكان متدينون ومحافظون بدرجة أكبر تم استبعادهم الى حد كبير من مزايا سلطة الدولة وهم موضع حذر الجنرالات الذين اعتبروا على مدى طويل حماة العلمانية.
وقال يوغور جينج (42 عاما) الذي كان يقف في ميدان بإسطنبول أصبح مركزا للاحتجاجات"دهشت لان أرى تلك الحشود تحمل الإعلام الوطنية التركية."وأضاف"ونحن أيضا نحمل نفس الأعلام لكننا لسنا مثلهم."
وعند حاجز قريب تقف امرأة ترتدي قبعة حمراء كتبت عليها عبارة"هذه جمهوريتي"وترتدي قميصا قطنيا عليه وجه أتاتورك. وهي ترى ان دستور تركيا العلماني يتعرض لخطر من المؤيدين الأكثر تدينا الذين يحتشدون وراء أردوغان.
وأصبح العلم التركي رمزا يحتشد تحته كل من الجانبين.
ورفض أردوغان أي تلميح بأن القوى التي تقف ضده وخاصة أولئك الذين خاضوا معارك شوارع ضد الشرطة الأسبوع الماضي يمثلون تركيا الحقيقية.
وتساءل أثناء واحد من ستة اجتماعات حضرها يوم الأحد"أليس هؤلاء الذين تجمعوا في مطار إسطنبول في ساعتين.. في أضنة ومرسين وهنا في أنقرة.. هم الشعب؟"
اعتراضات أردوغان يشاركه فيها مؤيدوه.
وقالت امرأة ذكرت ان اسمها زينب"إنني أحب بلادي". وأضافت"لن نسمح لبعض اللصوص ان يخطفوا بلدنا وعلمنا."
وتضمنت بعض اجتماعات أردوغان أيضا إشارة الى أتاتورك من خلال بعض الصور واللافتات التي تحمل وجهه.
وكان أردوغان الذي ربما ينتمي الى"الأتراك السود"قد صنع تاريخا في عام 2002 حين قاد حزبا جديدا يضم إسلاميين وليبراليين وقوميين الى السلطة. ورحب الناخبون الذين ضاقوا ذرعا بالأحزاب العلمانية التقليدية المنقسمة بخططه لإجراء إصلاح اجتماعي ونبذ الاستلام السياسي.
وقبل ذلك بثلاث سنوات فقط سجن لتلاوة قصيدة لاحد القوميين الأتراك اعتبرت تحريضا على الكراهية الدينية. وجاء في القصيدة"المساجد ثكناتنا والقباب خوذاتنا والمآذن هي حرابنا."
ويعتقد المحتجون الأتراك انه بعد الفوز في ثلاثة انتخابات لاحقة تحول أسلوب أردوغان الحماسي المتأنق المحبوب من الناخبين الى عدم تسامح مع أي تحدي سواء داخل حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي اليه أو خارجه.
وينفي أردوغان أي نية لتدمير الجمهورية العلمانية وفرض نظام إسلامي.
وقال في تجمع لانتصاره نقلا عن محمد عاكف وهو شاعر من عصر الإمبراطورية العثمانية كتب النشيد الوطني التركي لكنه هجر تركيا أتاتورك لعدم رضاه عن دستورها العلماني"لا يمكن ان أشيد بالوحشية.. لا يمكن ان احب ما هو وحشي."وأضاف"أنا عدو الظالم لكنني احب المظلوم."
واجتذبت الاحتجاجات ائتلافا مستبعدا لمؤيدي أتاتورك وناشطين أكراد وليبراليين ويساريين ونقابيين ونشطاء يدافعون عن حقوق المثليين وهو ما قد يشكل أسسا لمجتمع مدني جديد. ومن خلال طرق ربما لم يتوقعها أردوغان فقد رفع توقعات أجيال صاعدة تنتقد ما ترى انه تدخل الدولة في حياتهم.
فالمقاهي محظور عليها تقديم النبيذ على موائد موضوعة على أرصفة الشوارع وتم استحداث قيود جديدة على بيع المشروبات الكحولية وهي مماثلة لقيود في دول غربية لكن منتقدين يرون ان الاعتراض على الكحوليات من جانب أردوغان يرجع الى سبب ديني أكثر منه لأسباب صحية.
ويرى البعض ان وجه تركيا يتغير بطرق أخرى. وحجاب المرأة الذي كان محظورا في المكاتب الحكومية يشاهد الان في الكليات بل وفي قصر الرئاسة. وزوجة أردوغان تقف بجواره وهي ترتدي الحجاب. وتشير آراؤه العلنية بشأن دور المرأة الى وجهة نظر تقليدية بدرجة أكبر.
كثيرون من مؤيدي أردوغان يرون هذه التغييرات على أنها تحرر.
وحين ينقل أردوغان عن الشاعر عاكف حبه"للمظلومين"فانه يتحدث ضمن اؤمر أخرى عن النساء اللواتي حرمن في الماضي من التعليم العالي بسبب حظر الحجاب. ويعني ذلك ان عدوه"الظالم"هو ضمنا نظام سابق على أردوغان انكر القيم التركية التقليدية.
وبالنسبة لكثير من الأتراك من الطبقة المتوسطة الذين نشأوا في جمهورية علمانية صارمة تنم كلمات أردوغان ورسالته عن ارض اجنبيه: تركيا تتجه للشرق الأوسط أكثر منها لأوروبا.
ويقول أردوغان"إنني أحيي إخوتي في سراييفو وباكو وبيروت ودمشق وغزة ومكة والمدينة."ولم يرد ذكر لبرلين أو باريس أو لندن في حديثه للحشود المبتهجة. لكن أردوغان يمكنه ان يرد على ذلك بقوله ان انفتاحه على العالم العربي يجلب التجارة والنفوذ على حد سواء.
وكثير من المحتجين في ساحة تقسيم وأنحاء تركيا صغار السن بدرجة تجعل أردوغان رئيس الوزراء الوحيد الذي عرفوه. وربما يجادل بأن منتقديه يخفون عنهم حجم إصلاحاته.
وفي فترات ولايته الأولى بدأ محادثات الانضمام الى الاتحاد الأوروبي ومنح حقوقا للأقليات وحظر التعذيب وأظهر شجاعة في السعي لانهاء تمرد كردي راح ضحيته 40 الف شخص. وحصل على مباركة الليبراليين والعلمانيين والمتدينين على حد سواء.
وربما يمكن القول ان أعظم انجاز حققه كان اخضاع الجيش استجابة لمتطلبات الانضمام الى الاتحاد الأوروبي بعد ان أطاح الجيش بأربع حكومات في اربع عقود. لكن المتشككين الذين لن يثقوا في أردوغان على الاطلاق يقولون ان هذ الامر لم يكن باسم الديمقراطية وانما للتخلص من عائق امام الاسلام السياسي.
ازدهر الاقتصاد وارتفع نصيب الفرد من الدخل إلى ثلاثة أمثال.
وأردوغان الذي نشأ في حي قاسم باشا الفقير بإسطنبول بعيدا عن عالم الشركات الكبرى يرى الآن بوضوح نفاقا من رجال الأعمال ذوي النفوذ الذي يتخلون عنه.
وقال"اذا زعم مدير عام البنك انه ينحاز الى هؤلاء المخربين فسيجد اننا ضده. أولئك الذين جاءوا وقالوا لنا انهم أصبحوا أكثر ثراء خمس مرات في عهدنا يغيرون مواقفهم الان."
ويشير بعض المحتجين في ساحة تقسيم الى ان ما يرونه هو تسوية حسابات بسبب القيود التي فرضت على الدين في السابق.
وقالت ايج سيمسيك (17 عاما) ان"رئيس الوزراء يقول اننا نثير الاضطرابات لكنه هو مثير الاضطرابات الحقيقي."وأضافت"انه يستخدم الدين لإثارة الناس... انه يحصر الدين فيما اذا كنا نرتدي تنورة قصيرة أم حجاب وهذا خطأ."
وفرض حظر على الأحزاب الدينية مرارا وفي عام 1997 أطاح الجيش بأول حكومة يقودها اسلاميون في حملة ضغوط.
وقال بولنت ارنيتش وهو ضحية لتلك الحملة"اني اعمل في السياسة منذ 40 عاما."وأضاف"أشعر بأنني تعرضت للركل في أنحاء الجسم وللتجاهل.. انا وزوجتي واسلوب حياتي وارائي. لكننا لم نفكر في القتال. بحثنا عن حلول في اطار الديمقراطية."
منتقدو أردوغان يؤكدون بأن الديمقراطية تتراجع. وتشعب التحقيق في مؤامرات انقلاب مزعومة ضد أردوغان لتشمل الاعتقالات مئات من كبار الجنرالات والمثقفين والصحفيين. وفي استعراض للصحافة ذات التوجه المنسق بدرجة جيدة جاءت عناوين سبع صحف الاسبوع الماضي متطابقة في الاشادة بأسلوب أردوغان في التعامل مع المحتجين.
ويقول بعض النقاد ان التغيير الجذري في حزب العدالة والتنمية عزز مركز اردوغان.
ويتذكر النائب السابق بحزب العدالة والتنمية سوات كينيك أوغلو حدوث ابعاد للقوى الليبرالية وتلك التي تنتمي للوسط من المجموعة البرلمانية عام 2011.
وكتب في صحيفة الزمان اليومية"كثيرون ممن لعبوا دورا مهما في صياغة مفهوم بأن الحزب يتحرك تجاه الوسط في عام 2007 طردوا."وتم تطهير الهيئات التنفيذية في عام 2012.
وربما يتفق ذلك مع رأي من يرون ان أردوغان يستخدم الديمقراطية طريقا الى النظام الإسلامي الذي اشاد به الشاعر عاكف.
وقد يرى البعض ان الاحداث ولغة الخطاب في الاسابيع القليلة الماضية تشير الى وجود"دولتين تركيتين"لكن عشر سنوات من حكم أردوغان طمست بدرجة ما الفكرة المثيرة للجدل عن الاتراك البيض والاتراك السود.
وقال جنكيز سندر الصحفي الذي تابع حياة أردوغان السياسية"هذه المصطلحات ليست مهمة اليوم."واضاف"بشرة أردوغان تغيرت. أصبحت بشرته أكثر بياضا."
والمقصود ان أردوغان نجح في كسر احتكار النخبة القديمة لشؤون الدولة بداية من الجيش الى القضاء وأقام قاعدة سلطة خاصة به بكل امتيازاتها. وكان من النتائج الازدهار الاقتصادي في معقل حزب العدالة والتنمية في وسط الاناضول. واعيد توزيع الثروة.
وقال الكاتب اليف الاتلي"أردوغان أطلق العنان لسكان من الريف والاقاليم تمكنوا خلال اقل من عقد من ان يحلوا محل المقربين من المؤسسة القديمة."
وتقوم النخبة الجديدة الان ببناء قصورها وترتاد متاجر وفنادق كانت قاصرة في السابق على النخبة القديمة. وهم يذهبون الى أفضل مدارس ويرسلون أطفالهم الى كليات أمريكية.
ويرى عاكف تركيا في اواخر الامبراطورية العثمانية على انها خانعة اكثر مما ينبغي للقوى الغربية. ويسير أردوغان الذي اعجب به على طريق دقيق لاستعادة ما يرى انه تراث ثقافي اسلامي مهمل مع مراعاة تقاليد علمانية لها جذور قوية.
وقد يحدث مزيد من الصخب قبل ان تعثر تركيا على ذلك التوازن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

ترامب: تركيا استولت على سوريا بطريقة "غير ودية"

بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال خلال زيارتي العراق

صحيفة عبرية: نتنياهو لا يريد انهاء الحرب في غزة لاستمرار نظامه الديكتاتوري

قراءة أمريكية لتداعيات سقوط الأسد على العراق

مقتل زعيم "داعش" بضربة أميركية في سوريا

مقالات ذات صلة

بابا الفاتيكان يدين وحشية غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي

بابا الفاتيكان يدين وحشية غارات جيش الاحتلال الإسرائيلي

متابعة المدىدان البابا فرنسيس مرة أخرى، امس الاحد «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، بعدما قام بذلك السبت، مثيراً احتجاج إسرائيل، التي اتهمته بـ«ازدواجية المعايير». ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، قال الحبر الأعظم بعد صلاة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram