يقصد بالبياض النصي : هو الفراغ أو التقطيع أو نثيث النقاط الذي يتركه الناص على فضاء الورقة الطباعي ، ضمن أعراف وتقاليد ، بات الأديب يتبعها لتدعيم النص شكلاً ، ومضموناً . وإذ يعد الآن البياض نصاً !! فإنه يخضع للقراءة والتأويل ، وقد لازم البياض النصي ال
يقصد بالبياض النصي : هو الفراغ أو التقطيع أو نثيث النقاط الذي يتركه الناص على فضاء الورقة الطباعي ، ضمن أعراف وتقاليد ، بات الأديب يتبعها لتدعيم النص شكلاً ، ومضموناً . وإذ يعد الآن البياض نصاً !! فإنه يخضع للقراءة والتأويل ، وقد لازم البياض النصي الأجناس الأدبية بأنواعها، ولاسيما في العصر الحديث ، على أننا هنا نشير إلى البياض المنظم المقصود ، الذي يوظفه الناص ضمن تقاسيم معينة ، يبدؤها من العنوان الرئيس ، وصولاً إلى عنواناته الفرعية الأخرى ، وليس من شك أن هذه العملية أتت بتأثير الحداثة ، والتجريب من جهة ، ومن جهة أخرى ؛ لأن البياض يفعل فعله في النص ، حتى بات النص يعدل إلى البياض السردي كثيراً ، ولعل ثيمات ، مثل الموت ، الفراق ، اللقاء ، اليأس ، الصراع الطبقي ... الخ تجعل الناص يستعمل البياض السردي ؛ لأن فيه دلالة لرؤية العالم من جديد ، ولاسيما أن الأديب أحياناً يتعمد الى موازنة في أحجام فصوله وفصلها بين بعضها ببياضات الورقة التي تبقى فارغة أو منقطة أو مقطعة لكلمة ما أو مشفعوة بعنوان ، أو بعبارة مأثورة ؛ لكي تحاكي بصرياً المتلقي. إن القصدية الموضوعة ، غالباً ما تكون دلالية أو صوتية ، وقد يضمحل النص أمام المتلقي شيئاً فشيئاً منتهياً بنثيث نقاط منتظم ، وقد يكون عددها محسوباً بوصفها دلالة عامة لبقاء النص مفتوحا بلا نهاية ، وهذا ما ينقلنا إلى التساؤل حول قضية مهمة هل كل ناص يجيد هكذا شكل من الكتابة ؟ ولعل الإجابة تكاد أن تكون بالنفي ؛ إن هذا النوع من الكتابة ـ إن صح الاصطلاح عليها بالكتابة ـ يجيده المتمرسون الذين خبروا أولا علامات الترقيم والتقطيع للكلمات بشكل عمودي أو أفقي وكيفية توظيفها ، ورسمها أو تشجيرها طباعياً ؛ لكنها لا تعوض بالطبع عن النص الكتابي الأسود ؛ ذلك لأن البياض الطباعي إطار رسموي قد يوازي الملفوظ ، لكنه لا يضارعه في الماورائية ، فقد يعد مرجعاً لا بأس به لقراءة المتن وتأسيساً على ما سبق ؛ فالبياض النصي له صلة شارحة للنص ويمكن أن نشير إلى أنه قد وظف حديثاً بكثرة ، حتى أصبح مساحة للتعبير والإفصاح عن هذا العصر ، ومواقفه المتناقضة ، ووجد الناص عن طريقه وسيلة للتعبير عن رؤيته بجعله الخلفية التي يتكئ عليها ، فمن خلاله أيضاً يستجلب المتلقي ويثير اهتمامه ومما لاشك فيه أن التقدم التقني للطباعة الحديثة ، قد ساعد الناص في التقدم أيضاً ، والتفنن في صنع وتشكيل هذا البياض ؛ مما يزيده متعةً وجمالاً في أحيان كثيرة .