اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > عمرانيــــة "عمــــارة مرجـــــان"

عمرانيــــة "عمــــارة مرجـــــان"

نشر في: 14 يونيو, 2013: 10:01 م

أعتقد، بان لا احد، يمكن بمقدوره تصوّر ساحة التحرير بالباب الشرقي ببغداد، من دون مبنى "عمارة مرجان" (1953-54)، <المعمار: جعفر علاوي>. إذ انها ليست، فقط، المفردة المهمة في "أثاث" الساحة البغدادية الشهيرة، وإنما هي المبنى المشّكل لهيئة الساحة ذاته

أعتقد، بان لا احد، يمكن بمقدوره تصوّر ساحة التحرير بالباب الشرقي ببغداد، من دون مبنى "عمارة مرجان" (1953-54)، <المعمار: جعفر علاوي>. إذ انها ليست، فقط، المفردة المهمة في "أثاث" الساحة البغدادية الشهيرة، وإنما هي المبنى المشّكل لهيئة الساحة ذاتها، ومنظمة كتلها. اعتقد، أيضا، بان باعثا، تمّثل المبنى إياه، لازدواجية المهمة التي ينهض بها، يرجع، حصرا، الى نوعية عمارته، العمارة الواضحة والصافية: الحداثية ..والجليلة.

تمثل "عمارة مرجان"، احدى المحطات الأساسية في منجز جعفر علاوي المهني. ويعد ظهور المبنى استمراراً لممارسة معمارية جديدة، بدأت تشق طريقا ً لها في حقل التصميم والإنشاء، واعنى بها المباني العالية، المتعددة الطوابق؛ والتي سبق لمدينة بغداد ان شهدت أوائل نماذج تلك الممارسة، عندما تم ّ إنجاز "عمارة الدامرجي" (1946- 1948 ) <المهندس : نيازي فتو > ، بطوابقها الستة ، هي التي اعتبرت في حينها شاهقة جداً، وحدثا مميزا في البيئة المبنية البغدادية، ونسج حول ارتفاعها "الأسطوري"، موجة من الحكايات الخرافية التي لا تصدق!
تتجاوز، في رأيي، أهمية "عمارة مرجان" حدود الحل المعماري الصرف، ليضحى مرامي التصميم، شاملا ً الجانب التخطيطي الحضري ايضاً. فالمبنى بمقياسه الواضح والمعبرّ، وأسلوب انحناء واجهته الخفيف، التي تطل على موقعين مختلفين (شارع وساحة)، "تضبط" بصرامة هيئات وتكوينات المباني المحيطة والمجاورة له، المنفذة منها، والتي قد تنفذ.. مستقبلاً. ورغم التغيير الكبير والجذري الذي طرأ على نوعية الفضاء المجاور، بدءا من اختفاء مزروعات "حديقة غازي"، الى رحابة "ساحة الملكة عالية" الدوارة، ومن بعدهما الى ساحة التحرير، بشكليها "المستوي" و"المحفور"؛ ظل ّ مبنى "عمارة مرجان" محتفظا ً بأهميته الحضرية، كونه احد الثوابت التخطيطية الذي يمنح حضوره نكهة خاصة لعموم التخطيط العمراني للمنطقة الموجود فيها.
مرة كتبت، في سنة 2005، في سياق دراستي عن عمارة جعفر علاوي، وكان ذلك بمناسبة بلوغ المعمار تسعينيته، متناولا عمارة مرجان، قائلا ".. ان الأهمية الحضرية الفائقة "لعمارة مرجان"، ما كان لها مثل هذا التأثير، لولا نوعية الحلول المعمارية للمبنى ذاته؛ اي مثلما اثر حضور المبنى على التخطيط، اثر الأخير على صياغة نوعية العمارة؛ بمعنى آخر، ان معمار المبنى وعى جيدا طبيعة مسؤوليته العمرانية والمعمارية معا ً. وهذا الامر قاده الى تنطيق الواجهة بمفردات تصميمية، انطوت على حضور عال ٍ من الوضوح البصري، واتسمت على بساطة بـ "الفورم"، وسهولة في التذكرّ. فصياغة الواجهة تخضع الى تقسيمات غاية في البساطة، أساسها منظومة "التوزيع الشطرنجي" للفراغ والسطح الصلد. وهذه المنظومة متأسسة من ان مقدار مقاسات فتحات النوافذ المحفورة عميقا في الجدار، هي نفسها، تقريباً، ابعاد السطوح الصلدة المحيطة بتلك الفتحات من جميع الجهات: من اليمين ومن الشمال، من الاعلى ومن الاسفل. ونرى تشكيلات هذه المعالجة واضحة في كل القسم الاوسط من المبنى، القسم الاكبر مساحة، والاهم وظيفياً، والمرئي بشكل جيد. اما القسمان الاخران: مبتدأ المبنى ونهايته، من ثلاثية تقسيمات الواجهة؛ فقد جاءت المعالجة مختلفة، طبقا ً للتنوع الوظيفي.".
يراودني ظن، بان النتائج التي توصلت اليها مابرحت تحتفظ بصدقيتها.
يراودني، ظن آخر، بان كثيراً من القراء يشاطروني هذا الرأي.
ولد جعفر علاوي في منطقة " صبايبغ الال " ببغداد، عام 1915، وحصل على بعثة دراسية حكومية سنة 1933 لدراسة العمارة في مدرسة ليفربول المعمارية بانكلترا، التي منها حصل على إجازته المهنية عام 1939. عين في وزارة المعارف (وزارة التربية حاليا ً) في عام 1940، بقسم المباني. صمم ونفذ اثناء عمله في الوزارة العديد من المدارس في عموم العراق، وظل في منصبه خبيرا في الابنية المدرسية لحين استقالته الطوعية سنة 1954، عندما أسس لنفسه مكتبا استشاريا، اعتبر اول مكتب استشاري عراقي في البلاد.
اضطلع في إعداد تصاميم وتنفيذ الكثير من المباني على امتداد ستة عقود متواصلة من العمل الاستشاري المميزّ، وعدت بعض تصاميمه محطات مهمة في منجز العمارة الحداثية العراقية. صمم المدرسة الجعفرية ببغداد (1946)، وثانوية الحيّ بواسط (1947)،و مبنى سامي سعد الدين في ساحة الرصافي بغداد (1949) وساهم مع عبد الله احسان كامل في تصاميم مبنى المصرف الزراعي بالسنك في بغداد (1949-1951)، كما صمم ثانوية الحريري بالاعظمية (1953)، وحازت تصاميمه المرتبة الأولى في مسابقة معمارية لدور سكن الخبراء في مصفى الدورة (1952)، ونفذ سلسلة من الدور السكنية المتسلسلة بالعلوية في بغداد (1955)، واعد تصميم مستشفى مرجان للأمراض الصدرية في الحلة (1956)، كما صمم مبنىً سكنيا في الوزيرية شغلته السفارة الهندية (1954)، ودار المعلمات الابتدائية في الاعظمية (1956)، وبناية كلية التجارة في البصرة (1961)، والعديد من الأبنية والدور السكنية ذات التكوينات المعمارية المعبرة في عموم البلاد. عين وزيرا للأشغال والاسكان سنة 1965. رأس وشارك في عضوية لجان تحكيم لمسابقات معمارية عديدة في البلاد، وكان عضواً دائماً في لجان تحكيم مشاريع طلبة العمارة في جامعة بغداد.
كان جعفر علاوي مولعا في مطالعة الأدب العربي والانكليزي، وله مقالات منشورة في مواضيع عامة، كما انه متذوق للموسيقى الكلاسيكية، وظل دوماً مغرما في أغاني أم كلثوم.
توفي بتاريخ 20 حزيران 2005، اثر حادث سير مؤسف، في طريق عودته الى بلده، آتيا من الأردن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

باليت 42 بدايات عام جديد

السُّخرية السريالية ودلالة الأيقون في أعمال الفنان مؤيد محسن

المصرف الزراعي في السنك: بزوغ الحداثة المعمارية العراقية

عمارة تلد مسابقة!

دار هديب الحاج حمود.. السكن رمزاً للانتماء

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram