TOP

جريدة المدى > عام > تشققات في الجدار الأسود

تشققات في الجدار الأسود

نشر في: 15 يونيو, 2013: 10:01 م

أشرنا لجملة أفكار في المسألة الأنثوية , مع أو ضد , أو كانت توفيقيات قلقة أرتُضي بها اضطراراً أو يأساً من حل .. أرى الآن ان نستعرض أفكار المعنيين بهذا الموضوع ليكون من بعد كلامنا عن الكتابات الأدبية , الشعرية , مُسْنداً بما ترى الناقدات والمنظرات الأن

أشرنا لجملة أفكار في المسألة الأنثوية , مع أو ضد , أو كانت توفيقيات قلقة أرتُضي بها اضطراراً أو يأساً من حل .. أرى الآن ان نستعرض أفكار المعنيين بهذا الموضوع ليكون من بعد كلامنا عن الكتابات الأدبية , الشعرية , مُسْنداً بما ترى الناقدات والمنظرات الأنثويات ومن يساندونهن من النقاد والمفكرين النسويين . هذا ضروري لنظل في عصرنا ولكي لا نخطئ في قراءة تلكم الأشعار .
ولنبدأ بـسوزان برانملر Susan Branmuller , التي تقول:
"إن الرجال جاؤوا الى العالم وهم ملّوثون . هم يحملون فساداً متوارثاً . وهم ورثوا القوة الفاسدة . بينما النساء في حقيقتهن الداخلية , بقين غير آثمات ..." .
وهي تفسّر التلوث المبدئي للرجل , بانه امتلك من البداية , القوة على الاغتصاب . هو امتلك عدداً من العناصر كافية لخلق أيديولوجية الاغتصاب . وهذه الطريقة "الواعية" للاغتصاب جعلت كل الرجال في حال إخافة وكل النساء في حالة خوف منهم .
لكن هذا الرأي المتطرف بان الرجال فاسدون بطبيعتهم وان امتلاك قوة الاغتصاب بعض من تكوينهم الطبيعي , رأي غير علمي إلا إذا اعتبرناهم , بتفسير هيجلي , مالكي قوة استغلال . وإذا كان الرجال فاسدين بطبيعتهم , لشمل الفساد النساء أيضاً , فهن مشاركات في تكوين جينات الرجال . كل رجل يحمل جينات من أب وأم .
على أية حال , يمكننا إيجاز الأفكار المناهضة للتطلع الأنثوي بان الرجل للحكم وللحرب والمرأة للشؤون المنزلية والإنجاب , هي للبيت العائلي وذلك ما رسمه لهن تاريخ المجتمع حتى الان.
والقائلون بهذه الأفكار لا يرون فيها انتقاصاً من المرأة لأن "المذبح المنزلي ضامن اللهب المقدس والمرأة راهبته" . بيت القداسة هذا يحميها ويحافظ على نقائها. مطلوب إبعادها عن المواجهات والمعاناة وعن كل ما يؤذيها ويمس سلامة قيمها الأخلاقية من الجنس الأقوى- الرجل . أيضاً ان تظل الحياة الصعبة للرجل وتبعد هي عنها حماية لرقتها أو أنوثتها .
خلاصة هذه الأفكار ان المرأة والرجل من جوهرين مختلفين . وهذا ما يؤكده القول بان العمل البدني هو عمل رجل (هذا يعني انه المنتج) , وان الرجل وليس المرأة للعمل الصارم أو المدمر (فهو القوة المهيمنة) وان الرجال الذين يخرجون عن دائرة أعمال بهذه المواصفات هم أشباه نساء , مخنثون (فيهم بعض من الأنثى). وفي رأي أولاء أيضاً ان النساء مساويات للرجال بالرغم من توزيع الأعمال والمهام وان دور المرأة لا يقل أهمية عن دور الرجل وأنها ملِكة البيت والقلوب وأكثر من هذا أن المسيح يستقبل مخلوقاته الرقيقة الجميلة , وان محمد يوصي بالرفق "بالقوارير" .
هذه الآراء, فائضة الإنشائية بتوفيقياتها، غير مقنعة لعصرنا وقد عملت على تأسيس قناعات نسوية مضادة, رافضة بحدة وواضحة الغضب. فظهرت جماعة "انصار التصويت" وتتكون من عديد من النساء اللائي تمردن على هذه المفاهيم , واضطررن بسبب طول المعاناة ونفاد الصبر واستمرار الاستغلال والمصادرة , لامتلاك هذه القناعات الجديدة المضادة تماماً للقناعات الاستلامية عند النساء الخاضعات لقدرهن أو اليائسات من حل وصرن يطالبن بحق التصويت في الانتخاب.
في منتصف القرن التاسع عشر , تأكد واتسع الإدراك الأنثوي بأنهن يجب ان يتحررن من الرجال , كما يتحرر الرجال من الدولة من حكم أجنبي ! سنرى من بعد كيف سلتقي الموقفان بطلب تغيير القوانين والحرية للجميع ..) .
واجه هذا الموقف الأنثوي موقفاً ذكورياً يقول بقديم-جديد : بان الأخلاقية والرقة النسوية لا تصلح للحرب والسياسة . الجديد هنا ان هذا الإعلان يقول صراحة وبحسم بعدم صلاحهن للسياسة (معنى هذا لتشريع او تغيير القوانين) .
مقابل هذا , وفي أثره , تطور الكفاح النسوي الى طلب المساواة , لا الحقوق الخاصة حسب , في المجتمع . هي خطوة مهمة وجريئة . لكن الثقافة الأنثوية لم تتكامل بعد .. فالمرأة المثال تتبنى في أحوال كثيرة أفكار الرجل الذي تريد التحرر من هيمنته وأفكاره .
هذا التناوب بين صورتي المرأة – الرجل أدّى في زماننا الى اتصالهما معاً , كما توقعنا وتكوين كتلة اجتماعية تضمنت المعاني المذكورة والجديدة المضافة. يقول بيتر وينج Winch ان الفكرة التي كوّناها تتضمن الربط بينها وبين الموضوعات الاجتماعية الأخرى . وهكذا بقيت التوفيقية , ذات اللمسات الجريئة , حتى بعد ان نالت المرأة حق التصويت . لقد ظلت أصوات النساء لخدمة الرجل وبعضهن يخدمنه في الترشيح والانتخاب كما يخدمنه في المنزل .
لكن ما تحقق حتى الآن ليس قليلاً فقد اتضح تفكير جديد في القضية النسوية والحركة الأنثوية أحدث انعطافة سيكون لها شأن في الأيام القادمة . فخلاصة تفكير جماعة حق المرأة في التصويت Suffragers ان طباع المرأة وطباع الرجل مكتسبة ويمكن , خلال مراحل العمل والاختلاط , انتقال هذه الطباع من جانب الى جانب , من ثم يمكن الحصول على جو متكامل أو متقارب . هذا يعني ضمن ما يعنيه , انتقال المرأة الى الدور السياسي كإحدى النتائج المهمة . وان هذا الانتقال سيكون عملاً طبيعياً .
حتى الآن , نحن نستعرض , بشكل ما , رأي اللبراليين في القضية النسوية ومطالب الفيمينزم Feminism اعتماداً على ذلك وعلى رأي "التعددين" منهم , وبهذا يكون الاعتماد على اتساع الإصلاحات والتقدم السياسي لا على التغيرات الكبيرة في البرامج الاجتماعية والسياسية . الصوت الثوري ما يزال خافتاً وإن صار مسموعاً .
الجدوى تعتمد على ايجابية التحولات مع مراعاة السقف الفاصل بين الوصف والتقويم , بين حال الحقيقة وحال القول أو الادعاء .
فمما استعرضناه حتى الآن , نقول: لقد وصلنا الى مرحلة اعتماد القيم "الحاصلة" , لا "المطلوبة" , ولم تتحقق قيم جديدة نريدها .
لكن هذه الايجابيات "الفكرية" تمكنت من النفاذ الى الخطاب الأنثوي فصرنا الآن نميز بين "الحقائق الصلبة" والجنسية Sexism المدرسية المُمنهَجة , وبين "الحقائق اللينة" والاتجاه الطري في الأفكار والمطالب الأنثوية . وهذا يعني بدء النشاط العقلي وتحرك المدارس والاجتهادات , كما بدأت تنبيهات الأدب الحديث لهذه الموضوعات وتقاطعاتها بقوة اكثر وبمباشرة أكثر أيضاً .
فـ الزابيث جينوي Elizabeth Janeway , تقدم عرضاً تكشف فيه وتدعم موقفها الأنثوي , أسمته "الانجذاب للأفكار (الانثوية)" Appeal to Opinions . وتطرح أسئلة تكسر فيها الصمت على التفكير السياسي التقليدي الذي يعني الصمت على الاضطهاد التاريخي للمرأة وغياب صوت المرأة في الخطاب العام .
كسر الصمت هذا اتخذ أشكالاً عدة في أزمنة متوالية وأحياناً في الزمن الواحد.
يعتمد ذلك على الافتراضات التي يطرحها الفكر النسوي والأهداف التي ترسمها هذه او تلك من المفكرات والناقدات الأنثويات بالنسبة للثقافة المكتوبة . مع ذلك ظلت الصفة الغالبة هي صفة الخطاب العام , ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد , الخطاب العام هو من حيث الجوهر . وما حصل حتى الآن يمكن وصفه بتشققات في بعض من جدران المبنى .فهو خطاب عام لنظام بطرياركي يؤكد ويرعى صفات الخطاب العام الرئيسة , وما سمح به على كراهة , هو صيحات او اتجاهات تتبنى أفكار المواطنة والنظام السليم لحياة الأفراد . وما حدث للمرأة مجرد صيحات واختراقات تشهدها الأزمنة مثل أحداث عابرة حتى نضجت فيما يشهده حاضرنا الزاخر اليوم بالثقافات او النظريات تتبناها تنظيمات اجتماعية ومعاهد . وهذا هو التحول الكبير ! الذي تحول فيه الخطاب النسوي الى تساؤل نقدي: أي نوع من اللغة , عامة ام خاصة تتكلم بها النساء ؟ أي الهويات العامة ام الخاصة تهتم بها الأنثوية كمتغيرات للحياة الاجتماعية ؟ وما هي وسائل التعريف بالمرأة إنساناً يجب أن يعيش حياته ؟ وكيف تعمل الأنثوية لإعادة وصف الحقيقة الاجتماعية والخبرة مما يجعلهما تجريان معاً سواء باتجاه ما يجب ان تكونا أو باتجاه تحولات درامية مرغوب بها وممكنة ؟ السؤال بشكل آخر: كيف تعمل الأنثويات لجعل الخبرات العامة والخبرات الشخصية تعمل لأن تكون المرأة مخلوقاً إنسانياً في مجتمع الآخرين ؟ وأي المتغيرات يجب أن تتم طبيعياً لتلتقي وتتكامل الذات الإنسانية والخبرة الاجتماعية والواقع اليومي المعيش؟ .
ان العمل لإعادة بناء الحياة الفردية والاجتماعية لا بد من ان تكون له صفات سياسية ليستكمل آلياته ووعيه . وستظل الكتابة النسوية بسبب ذلك , مرحلياً, حقلاً سياسياً بصيغة تعبير أدبي , او بلغة أدبية وحتى يتم ابتداع أسلوب خاص آخر وسيكون أسلوباً نضالياً اقتحامياً وعلمياً كاشفاً .
ولكي يتحقق الأسلوب المرجو , سنظل نشهد أساليب جميلة ومضلّلة , هي بعض صفات الأدب. فبعض القصائد , كما بعض القصص , ترسم تعبيراً غير ملائم , أو خطأً , عن قضية المرأة فحين يحول الشاعر المرأة الى مخلوق سماوي ويمنحها صفات غير إنسانية , ملائكية مثلاً .. , هو بهذا أبعد المرأة عن ان تكون إنساناً مضطهداً ومحاصراً يخوض نضالاً ويواجه معاناة ليتحرر أو لينجو . هو يجعلها مخلوقاً لا واقع حقيقياً له , هو زيّف وجودَها وأرجأ أو ألغى حقيقة الاضطهاد والمصادرة . النضال والتغيير الاجتماعي لا يرتضيان إنشاءً وخزعبلات أو تحويل الإنسان الجميل المضطهد , الى "وسيلة" فرح أو راحة .
صحيح ان النص الأدبي , شعراً أو نثراً , يتمتع باستقلاليته بوصفه عملاً فنياً ضمن إطار وله نظامه , لكن لا تتيسر دائماً رؤية علمية لمضمونه معزولاً عن عالمه سواء كان هذا العالم سياسة او نشاطاً اجتماعياً او طبيعة او ظروف عيش او إرثاً نفسياً .
كان النص أصلا مفردات تتحرك في عالم الإحياء . ومن مجتمعه انبثق نصاً دالاً على التجربة الاجتماعية بمجملها , كما هو دال على التحرك الصعب لظهوره .
أما لماذا استطاع هذا الشاعر او هذا الكاتب , أن يخترق المنظومة الاجتماعية ويكشف بعضاً مهماً من أسرارها الدفينة , فذلك فعل القدرة الفنية والوعي الذي صنعته ثقافة شخصية خاصة وإدراك التحولات الاجتماعية . انبثاقات ضوئية تحصل في الظلمات . لبعض الكتاب رهافة استثنائية وذكاء ثقافي، (في عصرنا , (نحاول ان نجعل لكلمة "الهام" معنى يرتضيه العلم ..)
ومشكلتنا في البلدان منقوصة , بل شبه معدومة الحرية , هي ان الخط النضالي الذي يمنح الكاتب معناه , مكلف جداً وقد يكون فاتكاً . فلكي يكتب , لكي ينشر نصه الجديد عابر السياج , الفاضح , الممُجْهِز على منظومة مغلقة ومعتمة تتكدس وراءها الضحايا والشناعات , يجب ان يؤهل نفسه لأسئلة الإدانة و ربما ليكشف رقبته ! وسيكون الحكم واحداً سواء كان النص يتحدث عن عيّنة بشرية , وليكن عنه هو او عنها هي, منتجة النص , أو كان حديث الأمة عن نفسها , بحسب "ايجلتون" .
ولعل اهم ما يعنينا , كي تتميز الكتابة الجديدة عن القديمة المحافظة , هو ان تكشف مشاهد خاصة , شجاعات , اشتباكات , اغتصابات شتى , فكرية وجسدية , وتمردات نفاد صبر منكسرة أو انتحارية حادة . ونبحث في تلك التقاطعات عن الحرية المفتقدة , المصادرة , والاشتباكات القسرية على مدى العصور "الأبوية" حتى اليوم .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مدخل لدراسة الوعي

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

شخصيات أغنت عصرنا .. المعمار الدنماركي أوتسن

في مديح الكُتب المملة

د. صبيح كلش: لوحاتي تجسّد آلام الإنسان العراقي وتستحضر قضاياه

مقالات ذات صلة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع
عام

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

علي بدركانت مارلين مونرو، رمزاَ أبدياً لجمال غريب وأنوثة لا تقهر، لكن حياتها الشخصية قصة مختلفة تمامًا. في العام 1956، قررت مارلين أن تبتعد عن عالم هوليوود قليلاً، وتتزوج من آرثر ميلر، الكاتب المسرحي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram