المدن لها ملامحها وسماتها كما هم البشر والدخول في عمق المدن  يحيلك الى تلك الملامح لترسم البورتريت الحقيقي لهذه المدينة او تلك، عيون الحسناء السليمانية  تتمثل ببحيرتين فاتنتين دوكان ودربندخان ،وانفها الذي تتنفس منه هو ازمر العظيم، شفتاها شعراؤها الذين يتناسلون كما الزرع فيها، ضفائرها غابات من الورد والشجر، ذراعاها وساقاها أهلها فهي تنهض بهم ،وهم كحلة عيونها وعطرها الذي لايماثله عطر، وفستانها الملون بالطيبة والحب والجمال ،فلا عجب ان يخاطبها شاعرها الكبير نالي من دمشق (افدي بضعة من غبار دربك )او(شعرك المنثور حول قدك ،غدا اليوم اشراك متشابكة لصيد هائم مثلي، عمري العزيز هذا دفعته ثمنا نقدا لك ،تولهت عمرا طويلا طامعا بملامسة غدائرك)نعم ...فهي تستحق كل هذا الحب.

الشاعر نالي في حفل زفاف

السليمانية اكثر محافظة في العراق بعدد الأقضية فهي تتألف من عشرة أقضية هي(السليمانية،جمجمال،كلار،دربندخان،حلبجة،بنجوين،شربازهر،دوكان،رانيه،يشدر)، ونعتنا لهذه المدينة بعاصمة الشعر الكردي لم يأت جزافا وانما هو واقع حال المدينة التي تتنفس شعرا وسحرا، وانظر الى خريطة الشعر الكردي ستجدها العاصمة بلا منازع، وحتى هذا الجيل ورث الثقافة والشعر ونهلها من روافد أجداده الكبار وما حدث في بداية هذا العام في حفلة زفاف بمحافظة السليمانية، فبدلاً من الحلوى أو المرطبات قام عروسان من السليمانية بتوزيع ديوان شعري على المدعوين في حفل زفاف تعمدا أن يكون غير تقليدي. الديوان يحتوي قصائد كردية لشاعر رومانسي كلاسيكي، هو نالي، تحث على "الوفاء للزوجة". وعدّ باحثون اجتماعيون توزيع الديوان "تطوراً إيجابياً في التقاليد الاجتماعية" ودليلا على تأثر المجتمع الكردي بالتقاليد المدنية القادمة من الخارج.

ويقول العريس سوارة نجم الدين في حديث إلى (المدى برس) "أنا وخطيبتي سوز صلاح قررنا أن نوزع ديوانا شعريا بدل الحلويات في حفل زفافنا الذي أقمناه في قاعة روزانا بحي توي ملك بمدينة السليمانية، لكي نكسر التقليد ونعيد إلى الذاكرة أحد أبرز شعراء الزمن الكلاسيكي"، موضحا "لذا وزعنا ديوان الشاعر نالي كي يدخل البيوت وتقرأ الناس قصائده الرومانسية".

وفاء الإنسان لحبيبته وزوجته

ويبين نجم الدين أن اختيار الشاعر نالي "هو لما يتمتع به من حس عميق في التعبير عن العشق وسحر الوصف العالي الذي يصف به حبيبته"، موضحا أن "قصائده تعبر عن وفاء الإنسان الكردي لحبيبته وزوجته وما يجب أن تكون عليه هذه العلاقة المقدسة".

من جهته، يقول رئيس جمعية الباحثين الاجتماعيين الكردستانية، جزا حمه صالح في حديث إلى (المدى برس) إن "تغيير بعض التقاليد خطوة إيجابية باتجاه ترسيخ تقاليد أكثر مدنية"، ويلفت إلى أن "المجتمع الكردي ليس عبارة عن ثلاث محافظات بل أصبح أوسع من الإقليم، إذ أن جزءا كبيرا منه يعيش في أوروبا وأميركا ودول أخرى وتأثر بعادات تلك الشعوب، لذا فإن الانفتاح حمل معه مسائل إيجابية ،منها ظاهرة تغيير عادات الناس في الزفاف".

ويؤكد صالح أن "لجوء الناس إلى توزيع الأشجار أو الأقلام أو الدواوين الشعرية هو رمز للثقافة وحب البيئة والعلم".

يذكر أن السليمانية شهدت في أيلول من العام الماضي حفل زواج غير تقليدي، إذ وزعت فيه شتلات أشجار بدلا من الحلويات أو (النيشان) كما يطلق عليه شعبيا على المدعوين.

والشاعر الكردي خضر أحمد الملقب بـ(نالي)، (1796 - 1873) يعد أحد المؤسسين للمدرسة الشعرية البابانية (نسبة إلى إمارة بابان الكردية التي تأسست في منطقة قلا جوالان (40 كيلومترا شمال السليمانية)، كما أنه يعد أحد كبار الشعراء اللهجة السورانية في اللغة الكردية. وبعد أن تعرف نالي في فترة شبابه على حبيبته التي تدعى(حبيبة) فشغف بها حباً وأصبحت في ما بعد مصدراً لإلهامه الشعري وتزوجها وظل وفياً لها حتى مماته.

اقدم مناطق المدينة

وليدة الأمير الباباني إبراهيم باشا تتميز بشوارعها الكبيرة من أمثال (شارع بيره ميرد،سالم، كاكا احمد الشيخ، كاني اسكان، مولوي، القناة، صابون كران، سحابه سبي وتعني الصحابي الابيض، شارع 60، الأربع حدائق ،شارع كاوه) اما اقدم مناطقها كما يقول الملا حسن فهي منطقة ملكندي وهي موجودة قبل تأسيس مدينة السليمانية وكانت تقع قرب ساحة السراي من جهة الشمال حتى الجامع الكبير وبناية البريد من جهة الشمال الغربي وقسم من شارع مولوي ومنطقة المعسكر القديم، وكانت منطقة (اسحابه سبي)عبارة عن مقبرة لمنطقة مالكندي التي تعد اقدم مناطق السليمانية ثم تليها محلة الشيخان، وكاني اسكان ،وجوار باخ، ومحلة جولكان وهي منطقة اليهود القديمة، وكذلك المحلات سرشقام، صابون كران وهي محلة مشهورة بصناعة الصابون منذ القدم ودركزيل، ويبين الملا حسن ان تلك المحلات هي اقدم مناطق السليمانية.

المواقع السياحية

وعن المناطق السياحية في السلمانية فهي لا تحصى فهناك مصيفي دوكان ودربندخان وازمر وسرجنار،ومنطقة سركلو،وقرية كناماسي وتعني ثقب السمك وفيها العديد من الشلالات،و كذلك منطقتي سرسير واحمد آوا الذي فيه عيون ترسل ماء عذب باندفاع قوي لتشكل نهرا يصب في بحيرة دربندخان ،وتشبهها بالسحر والجمال منطقة آوا ياسر،وهناك منطقة سياحية تابعة لقضاء جوارته وتابعة لمنطقة (آلان) تسمى عين(كمو) لا يسطيع ا لانسان الصمود امام برودة الماء فيها بحيث اذا القيت فيها الرقي او البطيخ ينفجر على الفور، ويتراهنون الشباب هناك على من يستطيع ابقاء يده في ماء العين بالعد من الواحد للخمسة وفي شهر تموز بتلك المنطقة اثناء الليل تحتاج الى غرفة وبطانيات ومدفأة لمقاومة البرد في منطقة كمو كما يقول الملا حسن الذي بين للمدى ان الحكومة المحلية باشرت ومنذ خمس سنوات ببناء اكبر مدينة سياحية في الشرق الاوسط اسمها(هواري شار)مساحتها 160 كم2فيها بحيرات ونافورات ومتنزهات وحديقة حيوانات كبيرة وكازينوهات وأسواق وفنادق ومدينة العاب حديثة وفق تصاميم الحدائق العالمية المعروفة، التفت نحو مصيبتي قبل ان أتوجه الى ازمر لأقول لمحافظ بغداد ورئيس مجلسها السابقين (يالخيبتكم ولرحيلكم تزغرد العاصمة فرحا ).

متنزهات للطلبة

توجهنا انا وملا حسن صوب الحديقة العامة التي توجد في شارع سالم وهي اقدم متنزه في السليمانية قرب المدخل تستقبلك نافورات محاطة باكاليل من الورد بمختلف الالوان، لاشك ان سيد الألوان هناك هو اللون الاخضر، ساحات واسعة مفروشة بالثيل الطبيعي ومضللة بالشجر الكبير ،مصاطب خشبية واخرى من الفرشي ،اكثر من مشهد رومانسي يجمع الحبيب مع حبيبته تحت ضل الشجر، طلبة يفترشون تلك الحدائق الواسعة لغرض الدراسة استعدادا للامتحانات في ظل أجواء رائعة يحسدهم اي ناظر لتلك الصورة الجميلة وتحيلك الى مشهد معاكس تماما لطلبة بغداد وهم يعانون الآمرين في دراستهم ووصولهم لقاعات الامتحانات وسط قطع الطرقات بسيطرات مازالت تعمل بكاشف المتفجرات المزيف على الرغم من ان بريطانيا اعلنت سجن المتهم بتصديره الى العراق بعشر سنوات حبس وتغريمه مبلغ الصفقة ولاندري ماهي الحكمة في إذلال المواطن وتعذيبه في نقاط تفتيش لم نسمع عنها يوما بانها القت القبض على عصابة مسلحة او قامت بالكشف عن سيارة مفخخة، بل اصبحت مصدر قمع للمواطن ومجرد بسطيات منتشرة لخدمة الباعة المتجولين. 

سلطانة الحسن

شارع التماثيل وسط الحديقة العامة تجد فيه نصب العديد من الشعراء من امثال مولوي ونالي ومحوي وسالم وغيرهم من الشعراء والمناضلين من الشعب الكردي، وتقع جميعها في شارع واحد ونصبت بشكل متسلسل على قواعد من الموزائيك الجميل، بالتأكيد قمت بتصويرها وصورت معها ،واثناء تجوالي شاهدت فتاة تغري القديس بجمالها وحين مرت قرب حديقة يزينها الورد الأحمر شعرت بانها ابهى واحلى وهنيئا للشاب الذي كان يسير بجانبها سواء كان قريبها او حبيبها ولا املك غير ان اغني بصوت حزين(مهضومة شدات الورد يا حمرة الشفة......وغزلن جفافيهن حسن لو مرت الزفة...وليل وكمر وانجوم ...والغيم ما موجود....والروح ما تحمل ثكل ...ترفه) ومن حق الورد ان يغار وينهضم من سلطانة الحسن التي أذهلت الحديقة ومن فيها.

طلاب وطالبات

ودعت ملا حسن وعدت الى المتنزه لأذرع ممراته المسقفة بعناق الاشجار، هناك من يبيع قناني المياه وهنا تصدر احدى الممرات احد صباغي الاحذية، رواد المتنزه من مختلف الأعمار ،وبالتأكيد عند المساء يكون قبلة للعوائل التي تتناول العشاء هناك وتقضي ليلها وسط المتنزه الرائع في كل شيء، هناك شباب تعلو ضحكاتهم وسط المروج، فتيات وفتيان وكأنهم في رحلة ،السندويشات فريسة افواه الطلبة المواظبين على البقاء حتى المساء في الحديقة لغرض الدراسة حتى لا يشغله اي امر عن إنهاء المنهج الدراسي المطلوب كما ذكر لي الطالب فرهاد، وحين سالته هل انت هارب من البيت بسبب انقطاع التيار الكهربائي ضحك مستغربا وقال الكهرباء لا ينقطع التيار الكهربائي ابدا ،وسبب مجيئي الى هنا حتى لا انشغل بحاسوبي او بالفيس بوك او اي امر من مشاغل البيت ،لذا اقضي نهاري هنا واجلب معي الطعام من البيت وابقى حتى المساء ،واحيانا ادرس مع بعض الأصدقاء كما يقول فرهاد.

الطلبة الموجودون في الحديقة طبعا من كلا الجنسين يتسابقون بشرف من اجل الحصول على شهادة النجاح وهم بالتأكيد يستحقونها لما يبذلوه من جهد، وبالتأكيد طلبة بغداد ايضا يستحقون ذلك لما يبذلوه من معاناة ومعوقات يشيب لها الرضيع ، وهم يرددون دائما وأبدا(هلبت كسرنه بخاطر الله).