ظل الصحفيون عالقين ٤٠ ساعة في انتظار معرفة الرئيس الايراني الجديد، داخل وزارة الداخلية بطهران، وراحوا يتذكرون ما حصل قبيل اعلان نتائج ٢٠٠٩ التي انتهت باحتجاجات دموية. فقبل ٤ سنوات وغداة اذاعة فوز نجاد بولاية ثانية، وضعت الشرطة حواجز كونكريتية امام مدخل الوزارة وانتشر رجال الأمن بالزي المدني واستعد الجميع لمواجهة متوقعة. لكن هذا المشهد لم يتكرر صباح السبت الماضي، فالهدوء كان مبالغاً به ومحطة الأخبار الرئيسة تشاغلت ببث برنامج عن "سرطان المعدة" ولم تكن تعالج اي شأن انتخابي، حتى اذيع فوز مرشح الاصلاحيين وفاجأ الجميع.
وبين الصندوق ١١٠ المخصص لتصويت الولي الفقيه وعائلته، و٦ ساعات من الصمت غير المألوف سبقت اعلان نتائج الانتخابات، كان واضحا ان النظام بمعتدليه ومتشدّديه، شعر بالتعب من جولة استنزاف رهيبة. ساعات الصمت عكست التردد، لكن درجة الانهاك سمحت بمستوى من قبول التغيير في بلاد فارس.
الفائز حسن روحاني قال "اشكر الله الذي جعل شمس العقلانية والاعتدال تشرق ثانية في بلادنا". وكانت هذه العبارة المفتاحية التي استخدمها في مطلع بيان الفوز، ليعلن بذلك انه جزء من المراجعات النقدية التي قام بها قطاع مهم من الثوريين، لمبادئ النظام وقواعد عمله. وهو اذ لم يأت على ذكر صديقيه موسوي وكروبي القابعين في الإقامة الجبرية منذ سنوات بجريرة "الإصلاح" بينما كان يردد اسميهما في حملته الانتخابية ويثير سخط الجناح المتشدد، فانه حاول ان يقول لبيت المرشد علي خامنئي انه مستعد لاعتماد قدر كبير من البراغماتية مع صراعات الداخل، ولذلك اكتفى بتحية كبيرة لخاتمي ورفسنجاني كممثلين للاعتدال الاصلاحي، مقابل الجناح المعروف باعتراضاته اللاذعة في معسكر الاصلاحيين.
اما رفسنجاني الذي بدا يائساً قبل يومين من الانتخابات، فلم ينتظر شيئا بعد فوز مرشحه سوى الاسراع في مخاطبة الدول الكبرى، اذ راح ينطق بلسان أمة معزولة وجدت اخيراً وبعد سنوات من الانكسار ما تقوله للعالم: "ننتظر من العالم الذي يحترم ارادة الجمهور وحق التفاوض، ان يطلق حواراً مع شعبنا بعد ان صوتنا لروح التعقل".
وقد بدا التفاوت في الرؤية الداخلية واضحا، فبينما سارع رفسنجاني الى التطلع لدخول السياسة الخارجية مرحلة جديدة طبقا لرأي اغلبية مطلقة صوتت لصالح المرشح المعتدل، حاول المرشد ان يخاطب جمهور المحافظين الخاسر ويطيب خواطرهم قائلا ان الانتخابات في نهاية المطاف هي "استفتاء على شرعية النظام وسياساته" وان النظام انتصر. ولم يكن بالطبع يريد التعليق على وصول معارضيه الى القصر الجمهوري.
في زاوية اخرى مختلفة من معسكر الاعتدال، قال رجل حرس الثورة السابق والمحبط، محسن رضائي ان مفردة (كلا) التي سمعها المتشددون من الشعب "از نان شب واجبتر است" اي ان فوز روحاني كان اهم من خبز الليالي الباردة (وهو مثل يضرب للحاجة القصوى).
اما المتشددون فراحوا يتبادلون الملامة: لماذا لم نتوحد خلف مرشح واحد كما صنع الاصلاحيون الذين حققوا هذا النجاح؟ وفي الحقيقة فان اصلاحيي ايران انقسموا بعد خاتمي بعمق، وتشتتوا بين خيارات مواجهة قمع النظام، ثم لم ينجحوا في فعل شيء عام ٢٠٠٩، لكن كبار المعلقين راحوا يبدون اعجابهم بقدرة الاحزاب المتنوعة داخل معسكر الاصلاحيين، على تنضيج تنازلات داخلية مهمة نجحت في استيعابهم لمأزق "اجتثاث" رفسنجاني ووحدتهم خلف حسن روحاني.
ماذا بعد؟ صحف المعارضة في الخارج تقول ان روحاني سيبقى مشغولا بالداخل وينهمك في وضع قواعد العمل الصعبة مع برلمان باغلبيّة متشددة وجماعات ضغط عديدة وازمة عميقة اقتصادية، ولن يجد الفرصة سريعا للقيام بعمل كبير في السياسة الخارجية. لكن هناك من يحاول ان يتذكر ان معظم ازمات الداخل الايراني متأثرة بنحو مباشر بمأزق السياسة الخارجية، وسيكون لخطوة روحاني في التقرب من حوار مع الخارج، صدىً كبيراً في ايران يساعده على وضع صيغ تفاهماته مع كل الاجنحة الثورية ومكتب خامنئي بشكل مريح ولو على نحو مؤقت.
سيتذكر روحاني كل الازمات الكبيرة التي واجهت خاتمي (ازمتان كل اسبوع على حد تعبيره)، وهو يدرك انه مقيد بألف قيد. لكن ما سيستحق المراقبة هو قدرة الاتجاه المتعقل في "الشيعيّة السياسيّة" في ايران (وتزامنا مع تغيير ربما هو مماثل في العراق) على تصميم رسالته الخاصة المعارضة لاجواء الحرب في المنطقة. القيود كلها لن تمنع كتابة رسالة مؤثرة كهذه ولا شك.
كلمة روحاني الأولى
[post-views]
نشر في: 16 يونيو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 4
ابو علي الزيدي
والتغيير اتي في العراق كما توقعت وتوقع العقلاء لا يمكن الخطأ أن يكون صحيحا
Ahmed
الشعب الايراني يثبت انه اكثر وعيا مما يظن الكثيرون و الطبقة السياسية الاصلاحية الايرانية لديها ولاء مطلق لايران و للشعب الايراني مع رؤية و منهاج واضح و لا يمكن مقارنتها بالطبقة المعارضة العراقية التي لا تتفق على شئ سوى مصالح زعاماتها السياسية حالها حال اح
alfurat land
الشعوب وحدهاباراداتها من تصنع بريق الحريه ولو كان بصيص ضوء فالتغيرر باتجاه اللاعدائيه للغرب قديخرج ايران من عنق الزجاجه وانعكاسات التغيير ستحط رحاها في ارض السواد تلك الرقعه التي لطلما ارتبطت بخراسان
عراقي
هل اطلعت على سيرته جيدا ؟ بالمناسبه نهنئك على لغتك الفارسيه . اين تعلمتها؟؟؛؛؛