في بعض عيادات الطب النفسي, وفي معظم الحالات العصيّة، والتي يتحرج فيها المريض عن البوح بأسراره، وفض أختام معاناته، والتي يتعذر فيها على الطبيب النفاذ لأغوار المريض النفسي وحمله على (الفضفضة) عن خلفيته: طفولته، وصباه، وشبابه، أسرته وعائلته، عمله وظروف عمله.. إلخ.
في مثل تلك الحالات، يلجأ الطبيب المعالج لـ(لطخات رورشتاغ) لسبر أغوار النفس البعيدة الغور، ورورشتاغ: هو لقب الطبيب السويسري هرمان، مبتكر هذه الطريقة: الذي حاول دراسة الشخصية المريضة عبر بقع حبر، أو دهان، مسفوحة على جسم صقيل (أوراقا في الغالب)-توفي عام 1922.
يصطحب الطبيب المعالج مريضه لغرفة هادئة الأجواء، تصدح فيها موسيقى كلاسيك خافتة النبرة ويمنحه أوراقا بيضاء وقارورة حبر او دهان، وفرشاة او إسفنجة، ويطلب منه أمن يبقع الأوراق كيفما شاء، ومن دلالات تلك البقع يستطيع قراءة شخصية المريض كما لو كان يقرأ في كتاب مفتوح.
أحيانا.. لا يكتفي الطبيب المعالج بقراءة ما جادت به قريحة المريض من أسرار اللاشعور، بل يعرض على المريض لطخات معدة سلفا: ويسأله أسئلة تبدو بريئة وما هي كذلك: ماذا تعني لك هذي اللطخة أو: ماذا يتراءى لك في تلك؟
- مريض يرى في لطخة ما: أشخاصا. يلاحقون شخصا هاربا. ويمسكون بتلابيبه.
- آخر.. يرى في البقعة امرأة تحمل طفلا، ورجلا يحاول انتزاعه منها بالقوة!
- آخر يتراءى له وجه إبليس يحاول إغواء صبي. و.....و....و.
ترى،، لو قدر للعراقي، زيارة عيادة كتلك.. وطلب منه الطبيب المعالج أن يبوح بما يتراءى له من تلك البقع في لطخات رورشتاغ فماذا سيرى؟؟! يرى وحوشا كاسرة تطارد حملانا.. سيرى أكباشا تتناطح حتى يسيل منها الدم. سيرى فيلة تطير محملة بما خف حمله وغلا ثمنه، سيرى في منقار العصفور راجمة صواريخ، يرى في الكتل الكونكريتية توابيت، وفي الأسلاك الكهربائية حبال مشانق, وسيرى عبر نقطة بعيدة في أقصى جانب الورقة، طائرة على وشك التحليق، وهو يلهث باللحاق بها، سيجد إن قدمه ملتصقة بالأرض السبخة لا يبغي عنها بديلا ,كفه ضارعة، وروحه لا ئبة نحو وسيلة يبحث عبرها عن خلاص.
لطخات رورشتاخ
[post-views]
نشر في: 16 يونيو, 2013: 10:01 م