أصل هذا الحوار لقاء تلفزيوني أجراه الإعلامي الأمريكي مايك والاس مع سلفادور دالي (11 أيار/ مايس 1904 – 23 شباط/ يناير 1989) جرى الحوار في التاسع عشر من نيسان (أبريل) 1958، حول محاور عدة، معقدة وغامضة، كالموت والأحلام والعبقرية والسوريالية – يمكن مشاهدته على اليوتيوب -.
(لقطة مقربة لوجه دالي، بينما كان المذيع يقدمه لمشاهديه، فنرى الفنان الشهير يفتح عينيه على سعتهما مبحلقاً في العدسة)!
الحوار طويل نوعاً ما، لكنه طريف بدءاً باللكنة الإسبانية التي يتكلم بها دالي الإنكليزية، لكن انكليزيته ممتازة، وانتهاء بأفكاره المثيرة للجدل حول قضايا عويصة في الفن والحياة وتصوره لنفسه، واللافت إن دالي، طيلة الحوار، لم يذكر اسم أي فنان أو شاعر أو كاتب عدا واحداً، جاء في المرتبة الثالثة، عندما سأله والاس عن أكثر فنان يعجبه إذ قال: أولاً، دالي، ثم دالي، وبعدهما يأتي بيكاسو ولا أحد عبقري غير هؤلاء، ولم يذكر، مثلاً، فردريكو غارسيا لوركا أحد أقرب أصدقائه! ذكر تشارلي تشابلن من باب الغيرة!
سأله محاوره عن سبب وضع خوذة غطس على رأسه أثناء إلقائه إحدى المحاضرات أو قيادة سيارته محملة بالقرنابيط وقرون وحيد القرن فقال:
" أقوم بهذه الحركات الغريبة لأنها تتوافق كثيرا مع الجوانب الأكثر تراجيدية وأهمية في حياتي"!
وإذ يعبر المحار عن عدم فهمه لما قال، وهذا يتكرر كثيراً في خلال الحوار، يعلل دالي هذا بالقول:
"الأمر يرتبط بمعتقداتي الفلسفية".
والاس: أية فلسفة؟ أنا لا أفهم علاقة القرنابيط بالفلسفة؟
دالي: لكي تكون المحاضرة هائلة التأثير، على غرار ما يجري في السوربون، عليّ اكتشاف المنحنى اللوغاريتمي للقرنابيط"!
وإذ يضطرب محدثه لهذا التفسير ويبدو عليه الحرج "يوضح!" دالي:
دالي: .. وإذا كان ثمة منحنى لوغاريتمي في قرون وحيد القرن كاكتشاف، فهذا هو رمز العفة، على أنها واحدة من أكثر الرموز القوية في العصر الحديث (!).
ثم "يوضح أكثر!": القضية عاجلة وأكثر مأساوية لأن العفة تمثل القوة الروحية، لأن العفيف في أي دين، كما تعرفون، نتيجة الاختلاط بين الناس ما يدفعهم لممارسة الحب، فليس هناك أكثر قوة روحية من هذا، أو أكثر الأفكار الروحية".
وعندما سأله مقدم البرنامج عن خوذة الغوص وعلاقتها بالمحاضرة رد دالي:
"إنه إيحاء بالعمق، فتقمص شخصية الغواص يعني أنك تبحر عميقاً. وهذا ما يشكل اختراقاً للجمهور.
والاس: طلبت مني، قبيل دخول الستوديو أن أسألك أسئلة محرجة، لماذا؟
دالي: لأني أحب أن أكون مهرّجاً.. تشارلي تشابلن مهرّج رائع، بينما أنا رسام رائع، وسيغدو الأمر مثيراً للاهتمام لو جمعت الميزتين معاً، ليبقى تشارلي تشابلن مجرد مهرج رائع، بينما دالي سيكون رساماً رائعاً ومهرجاً رائعاً في الوقت نفسه.. ليس بمقدور تشابلن أن يرسم مثل دالي(!).
ثم يضيف: التهريج وحب الظهور والتقنية، كلها دفعة واحدة، فقط من أجل التعبير عن شخصية دالي.
والاس: إحدى أهم لوحاتك (النوم) ما هي الفائدة من هذه الصورة؟
دالي: هذا أمر مهم جدا، لأنني أعمل، دائماً، لحظة النوم ... أفضل أفكاري تنبثق من خلال أحلامي.
لا يمكن أن نستغرب من شخصية غريبة الأطوار تحولات فكرية وسياسية اتسمت بها مواقفه، فدالي الشاب الثوري ألقي عليه القبض بتهمة إثارة الشغب وترويج أفكار ثورية لأنه دافع عن أحد أستاذته اليساريين في الأكاديمية ثم أبدى ولاءه للجنرال فرانكو، كما رسم هتلر في بضع لوحات، ليترك بعد وفاته ثروة ضخمة من الفن والمال والفضائح التي وصفها بقوله "تشكّل جزءاً من التراث الشعبي".
اضحك مع سلفادور دالي
[post-views]
نشر في: 17 يونيو, 2013: 10:01 م