بعد مرور عامين من دراستي للدكتوراه أصيب البروفسور تايلور، الذي كان مشرفا على دراستي، بشلل مفاجئ. أشاع العرب الدارسون معنا، بوقتها، إن العراقيين يتحملون السبب لأنهم أغدقوا عليه بـ"العرق" العراقي الذي كان يتناوله الرجل "سادة". بعض يقولها مازحاً وبعض بجد. طالب ليبي أضاف سببا آخر وهو أن العراقيين علموا المشرف أكل "الباجة"، أيضا، مما ضاعف إمكانية شلله.
انتقلنا بعدها لمشرف جديد يختلف تماما عن أسلوب مشرفنا السابق الذي أرغمه الشلل على التقاعد. في أول لقاء لي معه، وبعد ان عرف اني مهتم بالبحث في ميدان "القراءة"، سلمني كتابا وطلب مني أن أتفرغ لقراءته ثم أعود له بعد شهر لألخص له ما فهمته منه. كان عنوان الكتاب "كيف تقرأ كتابا" للفيلسوف والكاتب الأمريكي موريتمر آدلر.
ظننت في بادئ الأمر انه من صنف "كيف تتعلم الإنجليزية بسبعة أيام" أو "كيف تصنع طيارة بثلاثة أيام". لكني حين أنهيت المقدمة ثم الفصل الأول وجدت نفسي أمام كتاب علمي ورصين بكل ما تحمله الرصانة من معنى. أنهيت الكتاب فخلصت الى ان اكتب أطروحتي عن "عادات القراءة عند الأطفال العرب ببريطانيا". ومصطلح "عادات" هذا ليس مأخوذا من الطبائع او من معنى "العادات والتقاليد"، بل يعني كيف وماذا يقرأون.
نشر الكتاب لأول مرة في العام 1940 ليصبح واحدا من أهم المراجع الكلاسيكية الأكثر مبيعا وليلبي حاجة المتخصص والقارئ العادي. كان السبب الرئيس الذي دفع المؤلف لكتابته هو عجز النظام التربوي الأمريكي وتقصيره في تخريج جيل يعرف فن القراءة، حسب قوله. هذا التقصير، برأي الكاتب، لا يمكن تلافيه الا ان يتعلم الأمريكي ينفسه كيف يقرأ. لذا تطوع من عنده فألّف له كتابه هذا ليرشده به الى فن القراءة الفاعلة والواعية. ان كان آدلر قد حكم هكذا على النظام التربوي الأمريكي، الذي يعد واحدا من ارقى نظم التربية بالعالم، فما الذي سنحكم به على نظامنا التربوي الذي لعبت به، على مدى عقود، الأيدلوجيات الشمولية والأهواء الطائفية؟
ومثلما كان الكاتب آدلر يائسا من نظام بلده التربوي، فانا اكثر منه لا أرجو من بارح مطرا. لذا ليس عندي غير ان اقترح على كل أكاديمي أو كاتب أو أي إنسان محب للقراءة أن يقرأ "كيف تقرأ كتابا". الكتاب ترجم الى العربية ومتوفر على الأنترنت، ولا يحتاج لمن يقتنع بالفكرة غير أن يجوجل اسم الكتاب ليجده سهل التنزيل جدا. الكتاب لا يقتصر على تعليم فن قراءة الكتب بل كل مادة مكتوبة، مما قد يفيد القارئ في تعلّم "كيف يقرأ عمودا" مثلما تعلّمت منه ذلك. طابت قراءاتكم.