كلّما تصاعدت وتيرة التفجيرات ضحكت بداخلي، ضحك كالبكاء طبعاً. سبب الضحك هو نكتة العقيدة التي يقتلنا الانتحاريون من أجلها. فهؤلاء، ومن يفتونهم بتفجيرنا، لا يصل بهم المطاف حدَّ الانتحار أو حدَّ الإفتاء بالانتحار والقتل، قبل أن يفحصوا العقائد التي يؤمنون بها، ويتأكدون من صدقها وبطلان عقائد ضحاياهم. ما يعني أنهم جميعاً يعتقدون بأنهم اجروا مثل هذا الفحص. ولو أنّنا سألنا جميع من يريدون الاقدام على الانتحار و"علمائهم"، لأكدوا لنا، جميعهم، بأنهم فحصوا عقائدهم لهذه الدّرجة. لا بل أنّنا جميعاً، نعتقد جازمين بأنّنا أجرينا هذا الفحص على عقائدنا. باعتبار أن الإيمان بالعقيدة لا يكون مقبولاً إذا كان مرتكزاً على التلقين دون أن يتم فحصه بدقة. وهذا تحديداً هو الذي يضحكني؛ أقصد، إذا كان جميع المؤمنين، ومن مختلف الديانات والمذاهب يجرون هذا الفحص، لاستلزم الأمر، على الأقل، تغيّراً مستمراً بعقائد ربع المؤمنين في العالم. ما يعني أن يشكّل هؤلاء المتغيّرون ظاهرة بيننا، فهل هناك مثل هذه الظاهرة؟
بعبارة أخرى، لدينا ثلاثة خيارات: أن تكون جميع الأديان والعقائد صحيحة، أو يكون الإيمان بها عن طريق عمليات التنشئة والتلقين، وأنها لا تتعرض للفحص، أو نشهد نتائج لعمليات فحص العقائد. لكن لا وجود لهذه النتائج، والدليل، أن الجميع يبقون على عقائد مجتمعاتهم، على طريقة "هذا ما وجدنا عليه آباءنا".
العشائر العراقية مصنفة طائفياً، لذلك نحن لا نشك بان السواعد "مثلاً" شيعة، وبأن دليم سنة، لأننا لم نصادف أحداً "انقلب" على عقيدة عشيرته، إلا بنسبة لا تكاد أن تشكل ظاهرة تجعلنا نشك. هذا ما يحصل على مستوى البلدان ايضاً، فبمجرد أن نعرف أن احدهم فرنسي حتى نعرف دينه، ولا نشعر بالحاجة إلى سؤاله، إذ الموضوع مفروغ منه، فاذا اكتشفنا بان هذا الفرنسي بوذي، سنتفاجأ، ومن حقنا، فالموضوع غريب ومفاجئ؛ لأنه شديد الندرة.
المسيحيون، يعتقدون بأن المسلمين على خطأ، وبان الله سيحاسبهم لأنهم لا يفحصون دينهم ويكتشفون الأخطاء التي فيه ويتحولون إلى مسيحيين، المسلمون من جهتهم يفكرون بنفس الطريقة. كل منّا يعتقد أن ملايين البشر، ممن يختلفون معه في الدين أو العقيدة، واهمون، وبأنهم كذلك لأنهم يقلّدون أهلهم، حتى لو كان بعضهم عباقرة. بينما يعتقد بأنه، هو، ومن يشتركون معه بالعقيدة، على صواب؛ لأنّهم اجروا الفحص اللازم واكتشفوا سلامة معتقدهم. حتى لو كان هو وبعض شركائه بالعقيدة، "لا يفكّون الخط" ولا يعرفون كيف تجري عمليات فحص العقائد.
طيب، الا نستحق، جميعنا، أن نضحك من أنفسنا لأننا نصدق بنكتة الفحص هذه، ضحك كالبكاء طبعاً.
ضحكة على مقاس عبقريتنا
[post-views]
نشر في: 18 يونيو, 2013: 10:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
بغداد ترحب بـ"هدنة لبنان" والفصائل ترفض وقف التصعيد وتهدد واشنطن
تقرير امريكي يتحدث عن "السيناريو الأسوأ": جر العراق إلى "عين العاصفة الإقليمية"
المالية النيابية: تعديل الموازنة الاتحادية يفتح المجال لتغيير فقرات غير فعّالة
فرنسا تشهد أول محاكمة لدواعش من رعاياها اعتدوا على إيزيديين
مجلس الخدمة الاتحادي: نحتاج لأكثر من 5 مليارات دولار شهرياً لتمويل رواتب الموظفين
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
جميع التعليقات 5
مي
تحية على مقاسك عبقريتك
د. علي الخطيب
الاستاذ الفاضل سعدون المحترم لي تصحيح على ما تقدمت فيه من تحليل حقيقي عن درجة ايماننا بالعقائد التي نحملها فاقول الا نستحق أن نضحك جمبعا على أنفسنا لنرى درجة الجهل الذي نحن فيه( يا امة ضحكت من جهلها الامم)
علي القريشي
ذا الكيان الغاصب ,واعتقد كل من يصنف بهذه الطريقه سنه شيعه عشيره الفلانيه فهو خاضع لارادة اسياده .
أحمد عبد الوهاب
السلام عليكم...استاذ سعدون هناك تناقض في كلامكم فهل تساوي بين امة لديها معجزة آلهية لايستطيع اي بشر ان يأتي بمثلها وهي القرآن الكريم وامم أخرى لاتملك مثلها او نصفها؟ارجو من حضرتكم ان تميزوا بين ممن يدعي الاسلام ولايعمل به واولئك المخلصين له وارجو المعذ
ابو منتظر
انا اعرف ان الدين يجعل الانسان يفعل الخيرات للغير ولو اننا درسنا المبادى التي اتى بها الرسل كلها تدعو الى عمل الخير للاخر ونقول اننا نعمل الخير لله وفي الواقع هو للانسان. اقول هل الدين لله ام للانسان فالحكم يكون بالاستفادة والانسان هو المستفيد الوحيد. فال