لابد من التأكيد بدايةً، أن الصراع في سوريا لم يبدأ طائفيا أو دينياً، كان في بدايته تعبيراً عن حاجات وطنية واجتماعية واقتصادية، وبدأ سلمياً لا يتجاوز التظاهرات، التي قد تهتف بشعارات تتجاوز السقوف، لكنه لم يكن عصياناً مسلحاً، ولم يرفع شعارات طائفية، لكنه حمل هذه الصبغة، حين انبرى عدد من المفتين، لدعوة السوريين ومعهم العرب والمسلمين إلى الجحيم، ومن بينهم المفتي السوري الرسمي حسون، الذي أفتى أن الجهاد دفاعاً عن النظام هو فرض عين، ليس على السوريين وحدهم، وإنّما على جميع المسلمين، وهو بذلك تجاوز انتقاداته السابقة لكل من دعا إلى الجهاد في سوريا وحمّله مسؤولية الدم المراق في بلاده، وهاجم مفتيي الخليج وكل مؤيدي المعارضة.
في المقابل تدفقت الفتاوى الطائفية، لدعوة المسلمين للجهاد في سوريا، وبلغ الأمر بالشيخ اليمني الزنداني، حدّ الإفتاء بوجوب الجهاد في سوريا، باعتبار أولويتها على فلسطين، وعلى أساس أنه في سوريا هو أوجب موجبات المسلمين في هذه الساعة، وفي القاهرة دعا مؤتمر "علماء الأمة" إلى وجوب الجهاد لنصرة سوريا بالنفس والمال والسلاح، معتبرين أن ما يجري في أرض الشام من حزب الله وإيران وروسيا والصين، هو إعلان حرب على الإسلام والمسلمين، "طبعاً على طائفة معينة منهم"، مطالبين الحكام العرب والمواطنين بمقاطعة البضائع الإيرانية والروسية والصينة، وكل الدول التي تتعامل مع الأسد، وكأنّ في عالمنا العربي من يمتلك مثل هذا الترف، وهو يستورد معظم احتياجاته، بما فيها رغيفه اليومي، من خارج المنطقة، ومن دول تجد أن مصلحتها تقتضي التعامل مع النظام السوري، خصوصاً في ظل عدم توفر البديل.
الشيخ القطري المصري العابر للدول يوسف القرضاوي، وهو يترأس جمعية أنشأها بتمويل قطري، لتكون ذراعاً سياسياً للمشيخة التي تمتلك فقط مال النفط والغاز، لم يترك الفرصة السانحة، فأفتى بالجهاد طائفياً ضد الشيعة في سورية، وكانت لغة فتواه تحريضاً مباشراً على الكراهية، ودعوة صريحة لقتل المسلم باسم الدين والجهاد في سبيل الله، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن والدول الخليجية، لم تتوانى عن الانخراط في دوّامة فتاوى التكفير والنفير، وهي تواصل صب النار على زيت فتاوى الكراهية والتحريض الطائفي، بزعم أنها تدافع عن أهل السنة في مواجهة التمدد الشيعي في المنطقة.
واضح أن تدفّق هذه الفتاوى يبث الرعب في المنطقة، حيث تتعدى الحروب الطائفية المؤسسة على مشاعر عدوانية حدود الجغرافيا، وتخلف آثارا مدمرة على أجيال المستقبل، ومعظم الفتاوى المعنيّة بالصراع في سوريا، تزيد العمى السياسي، حيث نرى دولاً تتاجر بدماء السوريين، ومن هؤلاء الذين يخشون إيران، فيعملون على ترحيل صراع مع شعوبهم، المقهورة والمظلومة والمسلوبة الحقوق إلى بلاد الشام، للخلاص من الجماعات الجهادية المؤرقة لهم ومن حزب الله في آن معاً، بالطبع وبعيداً عن أي أخلاق وقيم ومثل يدعو لها الدين، سيدفع السوريون الثمن من دمهم وعلى حساب مستقبل وطنهم.
فتاوى الصراع في سوريا
[post-views]
نشر في: 22 يونيو, 2013: 10:01 م