وسط الغموض الذي يحيط بمعظم ما في العراق والمنطقة، يمكننا القول اننا امتلكنا شيئا مهما واضحا، وهو اتجاهات الناخبين في الاقتراع البرلماني المقرر ابتداء من مطلع العام المقبل، أي بعد سبع شهور أو ثمانية. والوضوح الذي تحظى به انتخابات أول برلمان بعد رحيل أميركا، يستند إلى وضوح الخنادق السياسية إلى حد كبير، وكذلك إلى "استطلاع رأي" نادر حصل ويحصل هذه الأيام.
وعلى خلاف الديمقراطيات المستقرة لا توجد لدينا استطلاعات رأي كبيرة ويمكن الرضوخ لنتائجها، وفي وسع كل طرف في الغالب، ان يدفع رسما أو مكافأة لشركة أو مركز رصد ويحصل على الأرقام التي يريد ويشتهي. وفي احدى المرات كنت اتحدت مع سياسي معروف عن بعض استطلاعات الرأي التي نظمتها مؤسسة عراقية بالتعاون مع شريك أميركي، فقال السياسي هذا ان النتائج لا يمكن الوثوق بها، واعترف لي انه قام بنفسه بتغيير نتائج استطلاع قامت به مؤسسة رصينة، ونشر نسخة وحيدة ومحرفة منه في وسيلة إعلام "رصينة" أيضا. فبدل نسبة ٣٥ في المائة من التأييد "لا ضير" ان يسمع الجمهور بأن نسبة مؤيدي الحزب الفلاني ٤٥ في المائة، وهكذا!
لكن اقتراع مجالس المحافظات وتوقيته، يمثل افضل استطلاع رأي يمكن اللجوء اليه، وبهامش خطأ معقول، وبمشاركة ملايين العراقيين. وأهميته ان يسبق الاقتراع البرلماني ببضع شهور فقط، أي ان مخرجاته لن تتغير كثيرا، وبالعكس فالجمهور الذي سيعود الى صناديق الاقتراع ثانية، سيبدو اكثر وثوقا وأقل ترددا حيال وجهته، اذ انه قاس الأوزان والمعايير، وفهم توجهات بني جلدته، كما لاحظ التحول الدراماتيكي في بناء الحكومات المحلية وتابع ما رافقها من جدل وأهم القضايا التي تفصل بين خنادق المتنافسين.
انتخابات الشتاء المقبل اكثر وضوحا اليوم، بعد النتائج الأولية التي تظهر في نينوى والأنبار، حيث نجح المؤيدون للمطالب المشروعة في المظاهرات كما يبدو، في تحقيق تقدم واضح. اي ان قائمة متحدون حصلت على تأييد يوازي ما حصل عليه معسكر "شيعة ضد الحرب" الذي تحالفوا معه في اكثر من محافظة.
وبالتأكيد فان جزءا من النجاح الذي تحصل عليه متحدون كان مدفوعا بالتفاهم مع "معتدلي الشيعة" والحصول على منصب رئيس مجلس محافظة بغداد للمرة الأولى منذ عشر سنوات. ومدفوعا أيضا بقدرة متحدون، على وضع حد ادنى من التفاهم مع الأحزاب الكردية وهو امر ينطوي على قدر كبير من الأهمية يدركه الجمهور الباحث عن ضمانات سياسية بالدرجة الأولى في نينوى والأنبار المحاطتين بظروف استثنائية إداريا وأمنيا.
وهذا القدر من التفاهم يقدم العنصر الثاني من الوضوح في انتخابات ٢٠١٤. فاذا كان اقتراع مجالس المحافظات يتنبأ بالجانب العددي من نتائج انتخابات البرلمان، فان التفاهمات التي زرع نواتها محور "أربيل النجف" مارا بالمنطقة الغربية وضمن قضايا عدة، ستتولى التنبؤ بشكل صفقة "الحكومة الخامسة" التي تمثل الاستحقاق الأخطر داخليا وفي مستوى علاقاتنا بالملفات الإقليمية والدولية.
ولن ينحصر مفعول الحكومة المقبلة بشكل خاص في ولاية تشريعية واحدة للبرلمان والحكومة، بل سيعني تحديد شكل المسار الوطني لربع القرن المقبل. ذلك ان نجاح القوى السياسية في ترجمة التحولات التي شهدناها منذ ٢٠١١، الى قواعد عمل انضج تتبنى خيار المراجعة المتعقلة، سيعني اننا نضع أقدامنا على طريق تقدم واعد. وسيعني أننا صرنا "نبلغ الرشد" ولو ببطء. وأن من حقنا ان نحلم بولادة تقاليد جديدة وضمانات تفتح الباب على مدخل شرعي للدمقراطية المستقرة.
أما اذا لم تستفد القوى من كل هذا الوضوح العددي والسياسي، لصناعة تغيير مسؤول، وانزلقت نحو "أخطاء الدقيقة ٩٠" مفرطة بفرصة كبيرة للإنقاذ، فهذا ما سيدخلنا في دوامة اخطر من التخبط، وسيفتح الباب على الانهيارات التي تعم المنطقة بشكل لم يسبق له مثيل.
درجة الوضوح التي تضبط إيقاع حركتنا نحو الانتخابات القريبة، هي واحدة من الفرص النادرة لاستذكار كل الأخطاء السابقة، وتعديل جملة من المسارات. واذا تبددت هذه الفرصة فإنها لن تعود بسهولة. وربما لم تكن المسؤولية السياسية بالثقل والجسامة التي هي عليه اليوم، طيلة العقد المؤلم الذي انقضى. والفرح بما تحقق لن يكتمل الا باستعداد استثنائي لكل "مسرحيات الجنون" المتوقعة خلال ما تبقى من عمر هذه الحكومة.
خارطة واضحة لبرلمان ٢٠١٤؟
[post-views]
نشر في: 22 يونيو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 2
قصي
يعني نكدر نتفائل ونكول : باي باي نوري؟
ayad
ثق استاذ سرمد العراقي فقط يصنع المعجزات ويغير مسار الطريق الذي يروم الذهاب اليه ونحن لدينا كل الثقة بان المشاركة ستكون قوية الربيع القادم ( الشهر الثالث )