العلامة الراحل محمد بهجة الأثري ، تولى منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي مهمة تصحيح ما كان يعرف بالدستور العراقي الدائم ، طرحه النظام السابق وقتذاك كأحد الادعاءات في تحقيق الإصلاح ، ومهمة الراحل الأثري كانت تتعلق بتصحيح الأخطاء النحوية واللغوية فقط ، ولا تتعدى هذه الحدود .
احد العاملين في احدى الصحف الرسمية وقتذاك ، اجرى مقابلة مع العلامة الراحل الأثري لتسليط الضوء على عمله ، وملاحظاته على ما ورد في الدستور من الناحية اللغوية ، فخرج الصحفي بعنوان ثبته بمسودة مادته قبل نشرها " الأثري يصحح أخطاء الدستور " وحينما اطلع مسؤول الصفحة على العنوان خاطب الصحفي بالقول :" يا عمي تريد تورطنا اكو صحفي يختار هذا العنوان تريد تودينا بداهية " دافع الصحفي عن موقفه، وبعد شد وجذب والاستماع إلى نصائح وإرشادات حول رسالة الإعلام ومسؤوليته ، اقتنع بتغيير العنوان ، حفاظا على الصحفي والعلامة الأثري ، ومسؤول الصفحة وحتى رئيس التحرير من التعرض للمساءلة والاستجواب وربما العقوبة من اكتشاف "أخطاء الدستور" الذي كان يوصف بانه يتضمن تحقيق النظام الديمقراطي من وجهة نظر " قيادة قطر العراق " "ومجلس قيادة الثورة " .
في اليوم التالي نشرت المادة تحت عنوان جديد مع مقدمة كتبها مسؤول الصفحة ، تشيد بخطوة طرح دستور جديد ، أما ملاحظات العلامة الراحل فكانت تغيير مفردة الفترة إلى مدة لان الأولى تعبر عن زمن طويل يبلغ ثمانين عاما ، وتغيير مفردة تشكيل إلى تكوين او تأليف ، وغيرها من الملاحظات الأخرى التي لا تتطرق من قريب او بعيد إلى مضامين المواد الدستورية .
المادة المنشورة التي أطاحت بأحلام وتطلعات الصحفي الشاب لم تثر اهتمام احد كما كان يتوقع ، فحمل "مشعول الصفحة " أي مسؤولها تفريغها من مضمونها الحيوي ، وجعلها بلا لون وطعم ورائحة ، ولذلك ظل هاجس الكشف عن أخطاء الدستور يشغل اهتمامه ، وبعد ان تخلص من" مشعول الصفحة " في "زمن العراق الجديد " حشد إمكانياته المهنية والمعرفية لكشف الأخطاء في الدستور الحالي ، فتوصل إلى حقيقة تؤكد ان الدساتير تكتب في أجواء أمنية وسياسية مستقرة ، بعيدا عن أي تدخل خارجي ، والدستور لا ينتجه الحزب الحاكم ، على الرغم من ان هذا الحزب يدعي الديمقراطية والدفاع عنها لحد الكشر .
الدرس الذي خرج منه الصحفي بعد سنوات هو ان لا بديل عن الاستعانة بالمختصين في كتابة الدستور ، و يطرح بعد ذلك أمام السياسيين ، ثم بعد ذلك يتم الاتفاق على إقراره بعد عرضه للاستفتاء الشعبي .
الحياة السياسية في العراق وفي الكثير من الأحيان وكما هو الحال في معظم دول المنطقة تلجأ إلى وضع العربة أمام الحصان ، ثم يتباكى الجميع على تعثر المسيرة ، ووقوفها في محطة واحدة من دون حركة ، وهذا الوضع لم يلتفت له احدهم ويعلن بكل شجاعة بان القضية تحتاج إلى تصحيح جذري ووقفة جادة لإزالة الألغام من الدستور قبل اشتعال صفحة من أسس ووضع حجرا في بناء اعوج
مشعول الصفحة
[post-views]
نشر في: 23 يونيو, 2013: 10:01 م