تندلع في أرجاء المنطقة، دعوات طائفية متشنجة، تغص بها حاراتها وشوارعها وريفها ومدنها، والمثير للأسى الامتداد إلى منابر مساجدها، وهي دعوات بغيضة تتميز بغلظة القول، وتعمد الإساءة للآخر والنيل منه وتحقيره، وادعاء كل طرف بامتلاك الحقيقة والحكمة، في محاولة لاستغلال الدين، وهو قيمة عليا عند مجموع الناس، لتحقيق مكاسب سياسية رخيصة، بغض النظر عن الأثمان الباهظة التي ستدفعها مجتمعاتنا، نتيجةً لهذا التحشيد المذهبي، المنفلت من كل عقال، ويبدو مثيراً للغثيان، ادعاء حزب الله بأنه يخوض الحرب في سوريا دفاعاً عن مقام السيدة زينب، فيأتي الرد من مشايخ القاهرة شتائم للطائفة الشيعية الكريمة، دون تبصّر بالدوافع الحقيقية لما يقوم حسن نصر الله، المؤسف أكثر أن ينجر الساسة وراء المشايخ، فيتخذوا مواقف بعيدة كل البعد عن مصالح أوطانهم، وعن مصلحة الأمة.
في مواجهة التشنج والتطرف، تبرز أصوات عاقلة من هنا وهناك، حيث نسمع العلماء هاني فحص والطفيلي والأمين، كما نسمع أصوات سياسيين عقلاء، منهم الأمير حسن بن طلال، الذي وجه نداءً إلى عقلاء الأمة، دعاهم فيه للنهوض بدورهم الريادي، في نشر قيم التسامح والاحترام والمواطنة والعيش المشترك، في مواجهة تصاعد نبرة الاختلاف، ودعوات التعصب والانغلاق الفكري، وسيادة الخطاب الطائفي الذي يفرّق ولا يجمّع، وينذر بالفتك بمقدرات الأمة المادية والبشرية، ما يقود إلى تغلّب صوت العنف على الحوار الهادئ البنّاء، وتراجع لغة الرحمة أمام سطوة الغلو والتشدد والتطرف والتعصب وشهوة الإقصاء.
ليسمح لنا بعض المشايخ من الطرفين، بإيراد ما ورد عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، من أنّ بعض الناس تحدّثوا عن أنفسهم، وأعلنوا له أنهم شيعته، فأجابهم كرّم الله وجهه "أنتم أصحابي ولستم شيعتي فإنّ شيعتنا هم العارفون بالله، العاملون بأمره، أهل الفضائل، الناطقون بالصواب، مأكولهم القوت، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع" فهل ينطبق ذلك على من يرفعون اليوم رايات يا حسين؟، مع قناعتنا أن التشيُّع هو الإطار الجامع لكلّ من حمل قضية الرسالة المحمديّة، وبذل مهجته لحفظ ذكر الرسول عليه السلام، وأن نذكّر بأن الإمام الحسين عليه السلام هو من قال إنّ هدف ثورته الكربلائية هو السير سيرة رسول الله، ما يعني أن التشيع لآل البيت، ليس مقصوراً على من يعلنون اعتناقهم لهذا المذهب أو ذاك، بقدر ما هو واجب على كل مؤمن لأنّه يتجاوز الحالة المذهبيّة، نحو تبنّي الرسالة والقضايا الكبرى المرتبطة بالأمّة ومسيرتها.
على العقلاء أن يفهموا، أن الشيعة هم في آخر الأمر من أهل السنّة والجماعة، كما أنّ أهل السنّة يكنون لآل بيت النبوة الكثير من الإجلال والاحترام والتقدير، والشيعة مرتبطون أولاً بالرسول العظيم، والخلاف بين الجانبين هو في بعض الاجتهادات، التي لا يجب أن تسمح لمن ينتقد موقفاً سياسياً، تبناه فرد من الطائفتين، حتى لو كان زعيماً سياسياً، أو امتطى منبراً في غفلة من العقل، التطاول على طائفته بأجمعها، وليس أثقل على أذن المؤمن من أوصاف النواصب والروافض، إذ لا يجوز الخلط بين انتسابات الجماعات، ومواقف بعض أفرادها، فقد يكون مجموع طائفة بعينها، ضد مواقف واحد من أبنائها، يزعم التحدث باسمها، كما هو حاصل مع الشيخ ياسر الحبيب المتشيع اسماً، والمرفوض من غالبية أبناء الطائفة.
وبعد، فإن المطلوب اليوم شيء من العقلانيّة، إذ بدونها ننزلق نحو اتهامات باطلة منكره، وهي أمور صار كلّ طرف يكيلها للآخر الذي لا يرضى عن موقفه السياسي، حتى ولو كان من نفس المذهب.
ضد التطرف والطائفية
[post-views]
نشر في: 24 يونيو, 2013: 10:01 م