TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > طارق الهاشمي

طارق الهاشمي

نشر في: 24 يونيو, 2013: 10:01 م

ليس هناك خبرٌ يسر محكوماً بالإعدام مثل خبر الفوضى، مهما كان ثمنها، حتى لو كانت حرباً إقليمية طائفية يمكن لها أن تأتي على الأخضر واليابس، لأنها السبيل الوحيد لتحويله هو وأمثاله من خانة القاتلين الظلمة، إلى خانة المجاهدين المظلومين.
من هنا نشر طارق الهاشمي ـ نائب الرئيس الهارب والمحكوم عليه بجرائم إرهابيةـ مقالاً في جريدة الشرق الأوسط، يُبَشَّر خلاله، وهو بمنتهى الارتياح، بفتوى جهادية يقول بأن "المجلس الإسلامي التنسيقي الأعلى" أصدرها ثم يكتب معتبراً أنها: «تدعو المسلمين حكومات وشعوباً في مشارق الأرض ومغاربها للجهاد نصرة لإخوانهم المستضعفين من أبناء الشعب السوري، وبهذا ينتقل زمام المبادرة في إدارة الصراع من دوائر رسمية مغلقة إلى فضاء الشعوب المفتوح، ومن استخدام الجيوش النظامية إلى استنفار المجاهدين المتطوعين».. إذن الرجل مستبشر بساعة قريبة ستهرع خلالها جيوش "المجاهدين" من جميع بقاع الأرض لتلتقي في سورياً وتوغل بالذبح والقتل على خلفيات طائفية. وقد أكد هو بأن آلافاً من الماليزيين والإندونيسيين تطوعوا للقتال، متوقعاً أن تشهد سوريا طوفاناً من "المجاهدين". وكان الأجدر به، وهو "القيادي" في حزب إسلامي كبير، أن يؤمن بالحلول السياسية، وأن يُحَذِّر من هذه الفتوى وأمثالها، وأن يدعو جميع الأطراف، التي ترسل المغفلين إلى محارق الموت، بأن يتقوا الله في دماء الأبرياء ولا يشعلوا الفتنة.
لا أعرف سبباً يجعل الأحداث تتجه بهذا الشكل المخيف، غير الإسلام السياسي، الذي يفتح علينا هذه الأيام، تاريخنا المتخم بالكراهية والحقد والثارات المبيتة، ولا أعرف سبباً يجعل من أمثال طارق الهاشمي يطمعون بأن يكونوا أبطالاً ومجاهدين، غير الإسلام السياسي، الذي يتعامل مع الجرائم بمكيالين، فيجعل بعضها مقدساً وبعضها مدنساً.
إذاً هي الحرب، قادمة، حرب دينية بامتياز، حرب مقدسة بلا شك، حرب يختلط فيها القتل بصيحات الله أكبر، ويندرج فيها ذبح الأبرياء بخانة الدفاع عن بيضة الدين ونقاء العقيدة. الآن أريدُ لمن يُصّرون على "توريط" الدين في السياسة، أن يخرجوا ليشرحوا لي فوائد هذا التوريط، ولا يقول لي قائل منهم بأن الموضوع مختلف، وبأن الأديان تدعو إلى الرحمة لكن البشر يسحبونها إلى النقمة، لأن هذا الكلام لم يعد مقنعاً.
يا سادتي الإنسان مجبول على الظلم والكراهية، والقوانين وحدها التي تمنعه من التنفيس عن كراهيته وتقمع رغبته في الظلم، صحيح أن الشرائع تفعل ذلك هي الأخرى، لكن الفرق أن الشرائع لا تمنع الظلم بشكل مطلق، بل هي تمنعه داخلياً، أي بين رعاياها، وتوجبه وتقدسه خارجياً، أي ضد أعدائها. لا يستطيع رجل القانون أن يُوجِد نصّاً يُبيح خلال قتلة اتباع طائفة أو ملَّة ما، لأن النصوص القانونية لا يكتبها أفراد، وإذا فعل ذلك مُشَرِّع قانوني، فَسَيُعبِّر عن رأيه، أما في حالة الشريعة فالأمر مختلف، حيث يستطيع أغلب رجال الدين أن يصدروا فتاوى يوجبون خلالها قتل الأبرياء، وسيعتقد غالبية اتباعهم، بأن هذه الفتوى تعبر عن إرادة الله، وهي من ثم واجبة الطاعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram