ليس هناك خبرٌ يسر محكوماً بالإعدام مثل خبر الفوضى، مهما كان ثمنها، حتى لو كانت حرباً إقليمية طائفية يمكن لها أن تأتي على الأخضر واليابس، لأنها السبيل الوحيد لتحويله هو وأمثاله من خانة القاتلين الظلمة، إلى خانة المجاهدين المظلومين.
من هنا نشر طارق الهاشمي ـ نائب الرئيس الهارب والمحكوم عليه بجرائم إرهابيةـ مقالاً في جريدة الشرق الأوسط، يُبَشَّر خلاله، وهو بمنتهى الارتياح، بفتوى جهادية يقول بأن "المجلس الإسلامي التنسيقي الأعلى" أصدرها ثم يكتب معتبراً أنها: «تدعو المسلمين حكومات وشعوباً في مشارق الأرض ومغاربها للجهاد نصرة لإخوانهم المستضعفين من أبناء الشعب السوري، وبهذا ينتقل زمام المبادرة في إدارة الصراع من دوائر رسمية مغلقة إلى فضاء الشعوب المفتوح، ومن استخدام الجيوش النظامية إلى استنفار المجاهدين المتطوعين».. إذن الرجل مستبشر بساعة قريبة ستهرع خلالها جيوش "المجاهدين" من جميع بقاع الأرض لتلتقي في سورياً وتوغل بالذبح والقتل على خلفيات طائفية. وقد أكد هو بأن آلافاً من الماليزيين والإندونيسيين تطوعوا للقتال، متوقعاً أن تشهد سوريا طوفاناً من "المجاهدين". وكان الأجدر به، وهو "القيادي" في حزب إسلامي كبير، أن يؤمن بالحلول السياسية، وأن يُحَذِّر من هذه الفتوى وأمثالها، وأن يدعو جميع الأطراف، التي ترسل المغفلين إلى محارق الموت، بأن يتقوا الله في دماء الأبرياء ولا يشعلوا الفتنة.
لا أعرف سبباً يجعل الأحداث تتجه بهذا الشكل المخيف، غير الإسلام السياسي، الذي يفتح علينا هذه الأيام، تاريخنا المتخم بالكراهية والحقد والثارات المبيتة، ولا أعرف سبباً يجعل من أمثال طارق الهاشمي يطمعون بأن يكونوا أبطالاً ومجاهدين، غير الإسلام السياسي، الذي يتعامل مع الجرائم بمكيالين، فيجعل بعضها مقدساً وبعضها مدنساً.
إذاً هي الحرب، قادمة، حرب دينية بامتياز، حرب مقدسة بلا شك، حرب يختلط فيها القتل بصيحات الله أكبر، ويندرج فيها ذبح الأبرياء بخانة الدفاع عن بيضة الدين ونقاء العقيدة. الآن أريدُ لمن يُصّرون على "توريط" الدين في السياسة، أن يخرجوا ليشرحوا لي فوائد هذا التوريط، ولا يقول لي قائل منهم بأن الموضوع مختلف، وبأن الأديان تدعو إلى الرحمة لكن البشر يسحبونها إلى النقمة، لأن هذا الكلام لم يعد مقنعاً.
يا سادتي الإنسان مجبول على الظلم والكراهية، والقوانين وحدها التي تمنعه من التنفيس عن كراهيته وتقمع رغبته في الظلم، صحيح أن الشرائع تفعل ذلك هي الأخرى، لكن الفرق أن الشرائع لا تمنع الظلم بشكل مطلق، بل هي تمنعه داخلياً، أي بين رعاياها، وتوجبه وتقدسه خارجياً، أي ضد أعدائها. لا يستطيع رجل القانون أن يُوجِد نصّاً يُبيح خلال قتلة اتباع طائفة أو ملَّة ما، لأن النصوص القانونية لا يكتبها أفراد، وإذا فعل ذلك مُشَرِّع قانوني، فَسَيُعبِّر عن رأيه، أما في حالة الشريعة فالأمر مختلف، حيث يستطيع أغلب رجال الدين أن يصدروا فتاوى يوجبون خلالها قتل الأبرياء، وسيعتقد غالبية اتباعهم، بأن هذه الفتوى تعبر عن إرادة الله، وهي من ثم واجبة الطاعة.
طارق الهاشمي
[post-views]
نشر في: 24 يونيو, 2013: 10:01 م