أولويات الشهور المقبلة تحتم علينا صوغ معنى سياسي كبير للتعديل المهم في قانون المحافظات الذي اعتبر نهار الأحد، نصرا لدعاة "اللامركزية" يلبي مطالب واسعة من نينوى حتى البصرة. وتراجعا للاتجاه الذي يبشر بحكم البلد بقوة "الأغلبية" التي لم تعد موجودة بالمعنى المقصود لدى المبشرين بها. ومن الواضح ان الحراك المنسق داخل البرلمان بدأ يعلن بهدوء ظهور "أغلبية سياسية" من نوع آخر، ومن كل المكونات، نجحت طيلة اثني عشر شهرا في إعادة تعريف دورها ولملمة جهود مسؤولة لا لمجرد مناكفة رئيس مجلس الوزراء، بل بالعمل على جانبين مهمين وحيويين. الأول هو إعداد قوانين مؤسسة لتقاليد جديدة تعيد الاعتبار لدولة التعدد وتكرس الانفتاح السياسي، ابتداء من قانون مجلس القضاء الأعلى الذي يكسر احتكار العدالة ويفرز بين المجلس والمحكمة الاتحادية، وقانون تحديد الولايات، وليس انتهاء بتعديل قانون المحافظات الذي نجح في منح الحكومات المحلية مفهومها وصلاحياتها الدستورية بعد أعوام من تجاهل ذلك ومحاولة إبقاء "كونترول عتيق" داخل غرفة شخص يحلم بأنه "رئيس كل شيء". والثاني هو محاولة تخفيف الاحتقانات القومية والمذهبية، ففي اللحظة التي شهدت تورط الفريق السياسي والعسكري للحكومة، بأكثر من خطأ وضع البلاد على شفا حرب داخلية قرب الجبل وعلى اطراف الصحراء، وجد الاتجاه الداعي للتصحيح والذي اعلن عن نفسه بوضوح في لقاءات أربيل والنجف العام الماضي، سبلا عديدة لتخفيف الاحتقان والتدليل على حيوية النظام السياسي التي يمكن بث الروح فيها حين تتاح الشجاعة الكافية والأهداف العادلة التي تستحق المغامرات الكبيرة. اللعب في البرلمان يتحول بالتدريج الى "شغل سياسة" بالمعنى الحديث، ولأول مرة منذ سنوات يتاح للقرارات هذا المستوى من العمل المشترك، يعكس ان القوى الأساسية بدأت تبني ثقة صحيحة فيما بينها، وهذه الثقة انعكست على مجالات مهمة خارج البرلمان نفسه. وبهذا المعنى فان كل الأخطاء التي ارتكبتها "دولة القانون" كانت مفيدة للآخرين الذين تجمعوا لأول وهلة "دفاعا عن النفس في لحظة خطر داهم" ثم اكتشفوا انهم قادرون على بناء ثقة مسؤولة ستجعل الكثير من المهمات الصعبة، أمرا ممكنا. وبعد نجاح الاتجاه الداعي للمراجعة في ملفات تشريعية ومحاولات ناجحة لاحتواء "فتن" التسرع والارتجال وجنون القوة، جاءت الانتخابات داعمة لكل هذا، أي ان المسار السياسي الجديد حصل على مشروعية شعبية واسعة، قدمت حقائقها الجديدة خارطة واضحة لبرلمان العام المقبل. وقد صارت القضية اكبر من ان يحاول فريق الحكومة ان يطعن في حزمة القوانين المهمة التي مرت بثقة كاملة رغم رغباته. وقد صارت القضية أيضا اكبر من ان يخرج نواب هذه الكتلة ليسخروا من معارضيهم قائلين ان "التحالف هذا هش وضعيف وسيتبعثر". والأمر لم يعد ينفع فيه قيام بعض المؤسسات الصحفية بتكريس مساحات واسعة لتسويق "البكاء" الذي يصدر عن عدد من نواب الحكومة، بعد ان "اشتد بهم ألم النكسات العميقة". فتسويق أشياء من هذا القبيل لم يعد قادرا على إخفاء الحقائق الجديدة، لانها صادمة ومتماسكة وتستند لرغبة شعبية في التغيير ونمط سياسي لم يعتد فريق السلطان على مواجهته في السنوات السالفة. ان على جدول قوى البرلمان مهام عاجلة. ونجاحاته المتوالية في القوانين ذات الطابع الستراتيجي الذي يتولى حماية التعدد، يحتم عليه ان يفتح بقوة ملف الجيش وأجهزة الأمن التي تتوالى أخطاؤها، من أزمة التظاهرات كلها، حتى ملعب كربلاء. والسكوت على أخطاء مؤسسة الأمن ليس استهانة بالأهالي غير الآمنين وحسب، بل هو استهانة بتضحيات جنود شجعان يبذلون جهدا استثنائيا ولا شك في محاولة صناعة الأمن، بينما تخرب تضحياتهم اجتهادات أنصاف المتعلمين وإهمالات عناصر غير كفوءة جاء بها الولاء السياسي ولم تخضع للرقابة الضرورية، وشعرت بسبب الزهو الخاطئ ان بإمكانها التلاعب بمصير المؤسسة العسكرية والمواطنين على حد سواء، دون رقيب وحسيب. الاتجاه السياسي الداعي للمراجعة، ونجاحاته داخل البرلمان وقرب صناديق الاقتراع، ينبغي ان يستثمر في الملفات الأكثر خطورة، ولا شيء سيؤخر هذا، رغم تخصيص مساحات من واجهات الأخبار أحيانا، لنواب الحكومة و"انتكاستهم الروحية" التي يجربونها بعد ان لم تكن في الحسبان.
فرصة لفتح ملف العسكر؟
[post-views]
نشر في: 25 يونيو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 1
حسين العكيلي
قراءة جميلة جدا من استاذنا الاخ العزيز سرمد الطائي