ارتكبت القوات الخاصة " سوات " في كربلاء ، جريمة لا أبشع منها ، كونها طالت رياضيين ومدربهم بدم بارد يعكس القيم التي يستهدي بها ضباط وأفراد هذه " الجماعة " . وفداحة الجريمة ، تكمن بالإضافة إلى مسؤوليتها الجنائية ، في طابعها " غير السياسي " . فهذه القوات الخاصة التي شكلتها الإدارة الأميركية ، للتحرك السريع ضد الإرهابيين ، تحولت إلى أداة إرهاب ضد المواطنين والمخالفين أو المعترضين على نهج القائد العام للقوات المسلحة . وقد تضمن سجلُّها مؤخراً مأثرة ذبح المعتصمين في الحويجة ، كما ظهرت في المشاهد المروعة التي تناقلها المواطنون في اليوتيوب ، وعشرات الوقائع التي جرى تداولها منذ ان تحولت شيئاً فشيئاً إلى وسيلة قمع ومداهماتٍ غير قانونية وارتكابات طالت وزراء ورجالات الدولة الكبار .
ويدعي البعض من المحيطين برئيس مجلس الوزراء ومريديه من قادة دولة القانون وحزب الدعوة ، ان المالكي لا علم له بما يحدث! فمن يحرك هذه القوات إذن ؟ وبمن تأتمر في بغداد، ليس لمحاصرة الإرهابيين ، على افتراض أنها تفعل، بل في القيام بمهام هي من صلب واجبات الشرطة المحلية وأجهزة القضاء ، مثل إخلاء البيوت والعقارات من ساكنيها ، سواءً بدواعٍ مبررة ، أو بتعديات لا مسوّغ قانونيا لها .
وقد يفتري البعض على رئيس مجلس الوزراء ، فيشيع في وسائل الإعلام ان احمد المالكي نجله ، هو من يتولى قيادة الكثير من عملياتها في بغداد . وتظل هذه الإشاعات واسعة التداول ، دون ان ينفيها مكتب رئيس الوزراء أو يبرر طبيعة مهام هذه القوة التي يثار جدل جديّ حول مدى قانونية ما تكلف به. ومن شأن هذا الصمت المريب ان يكرس في الوعي العام كل ما يشاع عن دور هذا النجل على مستويات باتت أكثر من خطيرة . وبغض النظر عن مصداقية ما يورد أو طابعها التشهيري ، فان السؤال الذي يفرض نفسه في كل مرة ، ماذا يفعل احمد المالكي في مكتب والده، ولماذا يصرّ رئيس مجلس الوزراء على إبقائه في مكتبه متحدياً المطالبات الواسعة، العلنية والمباشرة، بتصحيح الوضع؟
وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار ، المبررات التي سيقت لتشكيل هذه القوة "غير الرحيمة"، كذراع سريع التحرك ، موازٍ لأجهزة المخابرات والرصد ، يتجاوز السياقات التقليدية البطيئة في التفاعل مع دواعي الرصد الميداني ، فلماذا انحرفت عن الهدف من تشكيلها وحادت عن مهامها، وباتت خطراً داهماً على المواطنين ، بل وكبار المسؤولين في الدولة والأحزاب والكتل السياسية؟ ولو تجاوزنا محنتنا مع خروقات "سوات" ضد مواثيق حقوق لإنسان، والحريات التي كفلها الدستور، ومظاهر الاستهتار الذي تمارسه في الشوارع، فأين إنجازاتها الباهرة في مكافحة الإرهاب في معقل قيادتها ببغداد ، بعد ان اصبح الإرهاب ظلاً ملازماً لكل بيت ومسجد ومؤسسة ومواطن؟
ان من المتعارف عليه ان الاستثناء لا يتحول في السياسة إلى قاعدة ، خاصة اذا تعلق الأمر بإجراء طارئ يخالف ما يعتمده الدستور من ضمان للحريات ، إلا إذا حصل انحرافٌ مخلٌ في نهج النظام الديمقراطي . كما تنفي القاعدة الاستثناء في اعتماد قوانين وتدابير ، إذا ما بَطُلتْ مسوغات الاستثناء في تحقيق الأهداف المرجوة منها ، وإذا ما تم حرفها عن سياقاتها ومهامها .
لكن مثل هذه التساؤلات أصبحت صرخة في وادٍ ، في ظل الانفلات السياسي والأمني والانتهاكات الصارخة للدستور والتفاهمات السياسية والشذوذ عن القواعد الدستورية والتقاليد المتعارف عليها ، بعد مظاهر الانفراد في السلطة والإمعان في مصادرة الإرادة العامة وانتهاك الحرمات في غيبة معيبة للرقابة والمساءلة .
ان الاعتداء الإجرامي طال هذه المرة مساحة مضيئةً ، ومتنفساً للشبيبة العراقية الذين يرون في الرياضة والرياضيين ، قبلة لهم وأداة لتحقيق أمانيهم بالتفوق والفوز ، والتعبير عن توقهم لتكريس ذواتهم المستلبة في الحياة العامة ، والتعويض عن مشاعر الإحباط واليأس اللذين يراد لهم ان يتلبسوهما ، وهم يعانون الحرمان والبطالة والأفق المستقبلي المبهم ، وانعدام أية وسيلة خلّاقة لإظهار مواهبهم.
ولأن السكوت عن هذه الجريمة التي ارتكبت كما لو ان القصد منها محاصرة الشباب ، ستشجع القائمين بها ومن يقف وراءهم، فليس أمام الرياضيين والشبيبة وقادة الرأي العام إلا إطلاق تحرك يشمل جميع المحافظات ويبدأ من تعليق كل النشاطات الرياضية والاعتصام في النوادي ، وإعلان الحداد الرمزي على ضحايا الاعتداء الآثم ، والمطالبة بالقصاص من المجرمين وكشف الدوافع والأدوات التي كانت وراء ارتكاب الجريمة .
وماذا سيفعل القضاء في مواجهة هذه الجريمة، ولن نسأل مجلس النواب، احتراماً لغفوته بين اجتماعين! ولن نسأل قادة الأحزاب والكتل السياسية، فهم منشغلون في ترتيبات إعادة توازنات الحكومات المحلية!
ويبقى ان نوجهَ السؤال لمحافظ كربلاء الجديد، هل سيتخذ أي إجراء يعيد لكربلاء شيئاً من الطمأنينة ، في مستهل عهده!؟
بمن يستجير المواطن من اعتداءات "سوات"؟
[post-views]
نشر في: 26 يونيو, 2013: 10:01 م