عندما قالت العواجل ان الرئيس مرسي سيوجه خطابا للمصريين، قررت ان أتابعه في احد مقاهي القاهرة. كان هدفي ان أرى ردود فعل الناس على الطبيعة بعيدا عن آراء المحللين السياسيين في الفضائيات. أردت التقاطها "تازة"، او قولوا طازجة حتى لا يزعل "عشاق" الفصحى.
اخترت مكانا للجلوس قريبا من مصري بسيط خمّنت بساطته من طريقة حديثه وجلابيته الشعبية واهتمامه بتحضير "الشيشة" بكل ملحقاتها كي يتفرغ لمتابعة الخطاب. طل الرئيس وبدأ خطابه فصمت الذين في المقهى ليستمعوا له باهتمام.
لم أكن أحسب ان الرجل سيظل "يحكي" ثلاث ساعات متواصلة. ذكّرني بمطولات صدام حسين و"معلقات" القذافي. عندما بدأ مرسي ينتقل بحذر نحو لغة التهديد صاح شاب "زنقة زنقة.. دار دار". طلب الحضور منه ومن الآخرين عدم التعليق حتى ينتهي الريّس من "جنجلوتيته".
صار مرسي يخبط الفصحى بالشعبي. بدا لي صوته كصوت "صالنصة" سيارة تخبط الماء بالبانزين. غريب! فمن عادتي ان استأنس حين اسمع مطربا يغني بيتا من الفصحى ثم يكاسره بالشعبي. انتشي لصوت رياض احمد حين يغني "يا أعدل الناس" وازداد انتشاء حين يربط بيت المتنبي بأبوذية "عدل ويا الخلك حكمك يا خلّي". وكنت ازداد شجنا وشجوا حين اسمع الشيخ عبد الزهرة الكعبي يقطع الفصحى اثناء قراءته للمقتل الحسيني ويبدأ بالنواعي الحسينية: "هضمنه ما جرى اعله احد وشافه". لكن طعم مزج الفصحى بالشعبي عند مرسي أحسسته مجّا كطعم الشرب "المغشوش" وما يحدثه بالمعدة والامعاء من قرقعات.
طوّل الرئيس ومطمط بكلامه كثيرا فلم تعد الناس تتحمل السكوت، فبلّشوا بالتعليقات. تقدم احدهم صوب الشاشة وغنى لمرسي اغنية "إفهم بقى". صفق الحاضرون للمغني الا ذلك الرجل البسيط، فقد احتج وذكّر الجميع بضرورة الصبر حتى "يفرجها ربّنا ويخلّص الريّس كلامو". رد المغني: ماشي يا عم .. تؤمر يا باشا.
ما أن انتهى مرسي من خطابه، بالشافعات، حتى نهض المصري البسيط هاتفا بأعلى صوته: "يعيش رئيس أثيوبيا .. يعيش رئيس السودان"! ضحك بعض وسأله بعض: قصدك أيه يا عمّ؟ ردّ: ده ما كانش يكلم المصريين .. ده كان بيكلم ناس ثانية".
لاحظ أحدهم صمتي فسألني ليستنطقني: وانت سيادتك بتقول ايه؟ آسف انا مش مصري لذا احسبني مستمعا فقط. ليه، هو انت ما فهمتش قال ايه؟ بصراحة لم افهم. رد المصري البسيط بدلا عني: وهوّه احنه المصريين فهمنا حاجة من الخطاب عشان الراجل يفهمو؟ شكرته على حسن الاجابة نيابة عني، فرد على شكري بسؤال: هوه حضرتك منين؟ عراقي. أحلى ناس. انت الأحلى. ثم سأل مرة أخرى: وهو اللي بيحكمكو دلوقتي بالعراق بيفهم ولاّ ما بيفهمش زي اللي عندنا؟ زيي اللي عندكم، ويمكن أزيد شوية. ودي تجي ازاي؟ لأنهما من "طينة" واحدة يا ريّس!
إفهـم بقـى!
[post-views]
نشر في: 28 يونيو, 2013: 10:01 م