لم يعط خطاب الرئيس المصري الأربعاء الأثر المطلوب، بل أنه تعرض لهجمة سريعة وساخرة، بدأت على مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن ينتهي، ووصفه المصريون بأنه ليس خطاب دولة بمقام مصر، وتميز بالشعبوية والسوقية والتهجم والتعلثم والتهديد والوعيد، وتوزيع الاتهامات لأشخاص وأجهزة الدولة، والتدخل السافر في دعاوي قضائية، وإنكار الواقع، وقالوا إن مرسي ضعيف، ولا يملك معلومات شاملة، ويعتمد على مصادر فقيرة للمعلومات، ويقول أشياء تشبه ترديد الإشاعات، وأخذوا عليه أنه لم يترحم على أرواح شهداء مجزرة أبو مسلم، وأنهم كانوا يتطلعون إلى سماع حلول عملية للمشاكل اليومية التي يواجهونها، وأن اعتذاره بتحمل المسؤولية خمس مرات أمر طبيعي، ولكن يجب أن يتبعه أفعال، تثبت أن الحكومة بالفعل على قدر المسؤولية.
خطاب مرسي حمل الكثير من المغالطات والمتناقضات، فهو يشيد بجهاز الشرطة الذي لا ينام، ويعترف بأن البلطجية في كل مكان، ويذكر بعضاً منهم بالاسم، وهو يشيد بمحافظ الأقصر لأنه قدم استقالته استجابةً للمتظاهرين ضده، لكنه لا يحذو حذوه، وهو يزعم أنه لم يتعرض للحقوق والحريات، متجاهلاً كل الاعتقالات التي تمت في حق رجال الإعلام والمتظاهرين والقنوات التي أغلقت، والمرأة التي همشت، والقوانين التي يتم طبخها حالياً لتقييد المجتمع المدني، وهو يتحدث عن ديمقراطية، يبدو أنه بصدد تفصيلها على مقاسه، وتحت هيمنة المرشد، فيتوعد ويهدد معارضيه بأن مكانهم سيكون السجن، ممهداً لتأسيس ديكتاتورية جديدة، تستمد قوتها من السماء، ويسهب في تفاصيل انتصاراته الاقتصادية، فيما حكومته تقترض مليار جنية يومياً، وبمعدل 36 مليون جنيه في كل ساعة، وهو خطاب متوتر يعكس أزمة خانقة يعيشها الرئيس وجماعته، وهو تبرع بتوزيع الاتهامات على الجميع، فطال رجال الأعمال، والإعلاميين، واتهم المصريين بالرشوة، والقضاة بالتزوير دون التحقيق معهم.
محاولة مرسي استباق موعد الثلاثين من هذا الشهر، بالتهديد والوعيد، مع السعي لاستمالة جهاز الشرطة والقوات المسلحة إلى جانبه، باعتباره يمثل الشرعية، حين وزع الاتهامات على كل الموجودين باستثناء الجيش والشرطة، وهو يحاول الإيحاء للشعب المصري باصطفاف القوتين حول مؤسسة الرئاسة، لم تحصد غير الفشل، فخطابه أساء لموقع الرئاسة، ودفع المترددين بالنزول إلى التحرير للتظاهر، وهو حتى حين لجأ لمحاولة العزف على وتر عاطفة المصريين، محاولاً استقطاب عواطف الجماهير، فشل بجدارة، لأن خطابه كان خارج إطار الزمن، وغير مناسب للحظة الراهنة، وهو يحمل في طياته مقدمة دكتاتور، باعتماده لغة هي خليط من التأويل والوعيد والاتهامات والادعاء بمؤامرة كونية، وزاد على كل ذلك باتهامه خصومه بأنهم لصوص ومختلسون، وتجاهل أن أم الدنيا خسرت في عهد الإخوان كثيراً، ولم يعد لها وزنها الإقليمي والدولي، حيث لاوجود لدولة حقيقية على الأرض.
المهم أنه بعد الخطاب اشتعلت المواجهات بين مؤيدي ومعارضي مرسي، وأحرق المحتجون مقراً لحزبه، وممتلكات خاصة بقيادات الإخوان، وسادت حالة من الرعب، بسبب انضمام عدد كبير من ضباط الشرطة إلى التظاهرات، وتوقيعهم على استمارات حملة "تمرد"، وتعهد بعضهم بمساعدة المعارضة على قتل الإخوان، حيث يتوقع مشاركة الآلاف من ضابط الشرطة وأسرهم في التظاهرات، طبقاً لمعلومات التحريات الداخلية بجهاز الشرطة، حيث تتعاظم المخاوف من حدوث انشقاق في صفوف الضباط، الذين يرفض الكثير منهم تأمين مقرات الإخوان وحزبهم أثناء التظاهرات.
قلبنا على مصر العظيمة، بانتظار نتائج أحداث اليوم الأخير من هذا الشهر، الذي يهدد المعارضون بأنه سيكون الأخير، في عهد مرسي والإخوان.
خطاب مرسي.. فشل بانتظار آخر
[post-views]
نشر في: 28 يونيو, 2013: 10:01 م