TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سنة عاشرة ديمقراطية

سنة عاشرة ديمقراطية

نشر في: 28 يونيو, 2013: 10:01 م

على الصفحة الأولى من معظم صحف العالم خلال الأيام الماضية، نشرت صورة أوباما وهو يصافح " جيم كومي " المدير الجديد لمكتب التحقيقات الفيدرالي " إف بى آي " وهو واحد من أرفع وأهم المناصب الأمنية في أميركا.. وأتمنى عليك عزيزي القارئ أن تعرف أن السيد كومي ينتمي إلى الحزب المنافس لأوباما " الحزب الجمهوري ".. وانه فعل الكثير لمنع أوباما من الفوز بولاية ثانية.. وكان من اكبر الداعمين للمرشح المنافس " جون ماكين ".. بل ذهب الأمر بالمدعو كومي إن طالب الأمريكان مقاطعة أوباما لأنه من أصول غير أمريكية.. وتخويفهم من جذوره الإسلامية.. لكن هذه الأمور لم تدفع أوباما لاتهام خصومه بانهم ينفذون أجندة أجنبية، وانه يتامرون على استقرار البلاد.. بالعكس دفعته لان يرشح " كومي " لان يتولى اخطر منصب امني في واشنطن
فوز أوباما في دورتين انتخابيتين لم يجعله يعتقد أن البلاد ملكا للحزب الديمقراطي، وبالتالي فمن حقه بموجب صناديق الاقتراع، أن يتجاهل معايير الكفاءة وأن يكون الانتماء الحزبي، وحده هو المعيار في اختيار مسؤولي الدولة.. وان لا تذهب " عيونه " بعيدا عن أعضاء حزبه أو المقربين منه، لكن أوباما، يؤمن أن الديمقراطية هي وسيلة أداة لبلوغ الحكم وليست غاية للاستيلاء على مؤسسات الدولة، وان هذا الحكم مهما كان عدد صناديق الاقتراع التي رشحته، هو حكم قابل للمحاسبة والمراجعة، ولا يعني أن الانتخابات منحت الحاكم صكا على بياض وغير مشروط لإدارة البلاد.. فميزان الكفاءة اكثر ثقلا من كفة المحسوبية والحزبية. ولهذا لا داعي لان نستغرب عندما يصر أوباما على ترشيح كومي او انه يطلب من منافسه الشرس " ماكين " القيام بمهام دبلوماسية خارج الحدود. او ان يلجأ الى أعضاء في الحزب الجمهوري لشرح وجهة نظر أمريكا من أحداث سوريا. لان هؤلاء بمعيار الكفاءة الذي يحترمه أوباما اجدر بهذه المهام.
في أميركا " الإمبريالية " هناك مسؤول يسعى لترسيخ الديمقراطية بمفهومها الواسع من خلال خطوات ابرزها: أولا احترام التفويض الذي منحه الشعب للمسؤول، ثانيا حماية حقوق من لم يساعدهم الصندوق في الحصول على مراكز المسؤولية، ثالثا ان تكون الكفاءة هي المعيار الأول في إدارة مؤسسات الدولة.. رابعا وهذا هو المهم ان الدولة وقيمها اهم واغلى من الانتماءات الحزبية والطائفية والدينية.
تعلمنا تجارب الشعوب الحيّة أن أول شروط تحمل المسؤولية هي النزاهة، لا الجشع. وأهم أحكامها الترفع لا الاستعلاء، النزاهة فعل إيمان بالوطن والإنسان، ليس لها مقربون وحاشية يفسرون ويجتهدون ليحولوا الحقائق الى أباطيل، وهي تبقى صفة لمن يحافظ عليها كفرض وواجب، لا كدعاية انتخابية.. النزاهة لا تقبل الاستثناءات ولا الخطأ. انها شيء مطلق. لا يكون المرء شبه نزيه، او نصف نزيه. أما انه رجل نزيه وأما مثل سواه ممن يؤمنون بان المنصب ارثٌ شرعيّ نورثه للذين من بعدنا
وقبل ان نبحث عن معان للنزاهة والكفاءة في القواميس، علينا ان نعرف ان الشعارات، لا تخلق حكام نزيهين.. لقد تدرب هذا الشعب المسكين على تلقي ما يُرمى اليه من خطب وبيانات عن التطور والازدهار، وكفاءة المسؤولين ومثابرتهم.. ووجدنا من يكتب معلقات في مديح وورع وتقوى حكامنا وتواضعهم، وانهم يؤدون الطقوس والشرائع.. ولكننا لم نجد أحدا منهم يؤمن بكفاءة الذي يختلف معه سياسيا وعقائديا.. بل ان الكفاءة والنزاهة استبدلت بالعشيرة والطائفة والنسب.
في بلادنا التي لا تملك من الديمقراطية الا قشورها، يحتاج الأمر إلى قادة يؤمنون بالكفاءة والنزاهة قولا وفعلا، فيلهمون الناس هذه المعاني حتى تستقر في المجتمع، قادة يملكون موهبة التواصل مع الجميع، يؤمنون بالآخر حتى لو اختلف معهم، يديرون الاختلافات دون تكفير وتخوين، لا ينغلقون في أحزابهم وجماعاتهم وأقاربهم، ولا يختزلون الوطن والمواطنين في المقربين من مكتب رئيس مجلس الوزراء.
مسؤولون لديهم القدرة على إدارة البلاد، وصياغة رؤية واضحة ومفهومة للدولة لا تتغير بتغير الولاءات، قادة يملكون قدرا كافيا من المعرفة والكفاءة والنزاهة والصدق.
النزاهة والكفاءة هي غاية الديمقراطية. ربما لا تختار صناديق الاقتراع اكفأ الناس، لكن المهم أن تختار أناساً نزيهين لا يكذبون.. لديهم مهمة جليلة وهي البحث عن الكفاءات...لا مطاردة أصحاب الكفاءة وتشريدهم برفع سيف الاجتثاث والتخوين في وجوههم.
والان هل يسالني احد لماذا تحب ديمقراطية أوباما.. وتكره محفوظات " زعاطيط السياسة "؟؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram