أطلق عالم الدين الشيعي هاني فحص، نداءً يؤكد حرصه على حفظ كرامة الدم، سواء كان شيعياً أوسنياً أوعلوياً، بعيداً عن الفتنة والسفح والهدر، ودعا فيه شيعة سوريا إلى التشبث بحيادهم واستعصائهم على التقاتل، حفاظاً على سلامتهم وسلامة أهلهم وجيرانهم ومواطنيهم، وراحة أرواح شهداء المقاومة، الذين لم يقصر شعب سوريا في حبهم وتأييدهم، وأكد أن محبة أهل البيت قادرة على منع التفرقة، مستشهداً بالآية الكريمة "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون".
بالتزامن مع هذا النداء الأخلاقي، النابع من إيمان حقيقي صادق، وفي مصر المعروفة بالوسطية والتآخي والتسامح، واستجابةً لمشاعر طائفية منغلقة وجاهلة، قتل أربعة شيعة، أثناء اجتماع لهم في منزل بقرية أبو مسلم، هاجمهم متشددون سلفيون، يقودون الآلاف من الأهالي حاصروا المنزل، مطالبين بهجرة من بداخله خارج القرية، وصلت الشرطة متأخرة، وبعد أن قام الغوغاء باقتحام المنزل، واختطاف أربعة من الشيعة اعتدوا عليهم بالضرب المبرح، حتى لقوا حتفهم، ثم مثلوا بجثثهم في الشوارع، في مشهد مشين لا يليق، إلاّ بفاقدي العقول والحس الإنساني. المثير للغضب أن الشرطة التي قصّرت في حماية مواطنين مسالمين اعتقلت قيادياً شيعياً في منزله، بتهمة حيازته أسلحةً نارية، رغم أنه كان اشتكى من تعرضه لتهديدات بالاعتداء على أسرته من مجموعات سلفية، ولم تتحرك الأجهزة الأمنية، ما دعاه لتأمين منزله بالسلاح.
المعتدون استندوا إلى فتاوى تكفيرية تحريضية، وأسفرت عن هذا المشهد القبيح من القتل والتمثيل بالجثث، وبديهي، لو كان للعقل حكم، أنّ على من حرّض أن يتحمل المسؤولية كاملة عن دم المغدورين، المحتفلين بالنصف من شعبان، ولن يكون كافياً أن يدين المصريون وقواهم السياسية هذه الجريمة الوحشية، بل يجب على كل دعاة التحريض الطائفي والمذهبي، ومعهم إخوان مصر وسلفييها التكفير عن هذا العار، وما داموا يعتبرون أنفسهم حماة الاسلام، فليدلّونا من أين تستمد شرعية قتل النفس التي حرم الله قتلها، وما داموا يجهرون بأنهم دعاة، فليجيبونا على سؤال كيف يمكن لملحد أو كتابي من غير المسلمين، قبول دعوتهم والدخول في دين يبيح القتل بين المؤمنين به، لمجرد اختلاف بالرأي.
لاينطلق كل هذا التعصّب المقيت من الجهل فقط، إذ لابد من ملاحظة أن بعض المتطرفين من الشيعة، ينشغلون باستدعاء العداء التاريخي ضد "السنة النواصب"، وفي المقابل هناك فصيل سني متشدد ضد "الشيعة الروافض"، وهو يستمد ما يعتبره مشروعيته من طروحات متطرّفة، تأبى التصالح والتعايش والاندماج مع أي شيعي، حتى وإن اتسم بالاعتدال، والمؤسف أن مع مع وجود متشددين شيعة ، فإن الساحة السنية تقع اليوم تحت قيادة المتشددين، سواء كانوا وهابيين أو سلفيين، أو حتى من الإخوان المسلمين الذين يزعمون الوسطية والاعتدال.
ينسى المتشددون التكفيريون، دور المفكرين العراقيين واللبنانيين الشيعة في مقاومة الاستعمار البريطاني، وقيادتهم الحركات العروبية، وينسون دور التشيّع غير العربي، في جريمتي اغتيال مهدي العامل وحسين مروة، وهما من أهم المفكرين التقدميين، وهم اليوم يضعون بيض الكراهية والحقد كله في سلة العداء الطائفي للشيعة، انتصاراً للإخوان المسلمين وجبهة النصرة، بعد هزيمتهم على يد قوات حزب الله، الذي ينبغي القول إنه لايمثل الشيعة العرب ولا ينتمي إليهم.
لاتقع المسؤولية في كل هذا الانحطاط على غلاة المتشددين من الطرفين وحدهم، فالتحريض الإعلامي والسياسي الطائفي، لعب أدواراً مشبوهةً ومشينة، ما يفرض على العلمانيين مواجهة تقصيرهم، ووضع الرؤى البديلة والانخراط بالعمل الجماهيري، والشدّ على يد فقهاء التنوير، ومنهم على سبيل المثال هاني فحص، وإلا فإنهم سيتحملوا الجزء الأكبر من المسؤولية، عن الحال الكريه الذي سنجد أنفسنا ضحايا له، وسيكون دم قتلى جريمة الجيزة في أعناقنا جميعاً.
نداء فحص ومجزرة أبو مسلّم
[post-views]
نشر في: 30 يونيو, 2013: 10:01 م