يطلق رئيس مجلس الوزراء تحذيراتٍ من مخاطر الفتنة الطائفية والفتاوى التكفيرية على العراق والمنطقة، إلا أن سلوكه السياسي وسلوك "عشيرته" أو كتلته دولة القانون، يبدو كما لو انه بمأمنٍ من الخطيئة التي يحذّر منها. فسلوكه وسلوك القيادات المتنفذة في كتلته "المغيبة عن الوعي"، لا يوحي بأن النهج والتدابير والتخبط الذي يتسم به الوضع الداخلي في البلاد، مرشحٌ لانفلاتٍ ولمزيد من التصدعات الوطنية، التي من شأنها مجتمعة أن تفاقم أزمة سياسية واجتماعية تنغمس فيها البلاد.
ولا يدرك هؤلاء الساسة أن مكمن الخطر الذي يتهدد العراق، وقد ازدادت مظاهره منذ الولاية الثانية للسيد المالكي، ينطلق من داخله، ويستقدم بالضرورة عناصر مساعدة من الخارج، على عكس تلك المزاعم التي يطلقها زعيم دولة القانون كلّما اشتد الخناق على سلطته الانفرادية، وتدابيره الفوقية وإحساسه بالعزلة.
وأيضا يبدو أن انشغال هؤلاء بمغانم السلطة وامتيازاتها السحت، لم يتح لأجوائهم أن تصفو كي يلتفتوا إلى تغير الأحوال والأمزجة من حولهم، وفي الدوائر المحيطة عربياً وإقليمياً. وكأن ما يدور في مصر الإخوان أو تركيا اردوغان، أو سورية المحترقة في أتون غوايات السلطة والفتنة الطائفية، ليس له علاقة بما تسوّل لهم سياستهم وارتكاباتها، فعله مع العراقيين ومصالح العراق الوطنية. أو أنهم "معصومون" من نتائجها الوبائية المنفلتة، التي لا تفرق بين الملل والأديان والطوائف والمذاهب، أياً كانت ما تتخذه من تسميات، كما هو عليه الامر مع تسمية "دولة القانون" التي لا يجمعها بالقانون جامعٌ غير التعدي على جوهره ومبناه ومسوغاته، ولا يميزها عن مثيري الفتنة الطائفية من حولنا، سوى ادعائها "العصمة" من لوثتها.
وأخطر ما يتبدى في سلوك قادة هذه الكتلة ويدفعهم الى التعالي واستصغار النتائج المترتبة على أخطائهم وخطاياهم، ويشجع على مواصلة نهج مدان في إدارة شؤون الدولة، هو أوهام دولة القانون بدوام سلطتها، بل وتمكنها من تكريسها، تحت قيادة زعيمها الذي اعلن يوماً وهو يرد على معارضيه، انه قد يستمر في رئاسة الحكومة لثلاث ولايات وأربع وعشر..!، متناسياً انه إذا استطاع "افتراضاً" أن يتحدّى إرادة الشعب ويكسر شوكته، فانه عاجز (إلا إذا كفر) عن تغيير مشيئة الله ومواقيت أعمار عباده التي يصعب أن تدوم بما يكفي لعشر ولايات.
وقد يتوقع البعض ان يلتفت قادة دولة القانون وحزب الدعوة، الى الضرورات التي تفرض عليهم وزعيمهم المتوحد، تصحيح الأوضاع واختلالاتها، بما يمكّن من تضافر القوى، لمواجهة المخاطر والتحديات التي أشار إليها المالكي، إن كان صادقاً في إحساسه بها. لكن مثل هذا التوقع يصطدم مع الوقائع والتصريحات والمواقف التي يعلنها بلا مكيال، هؤلاء القادة الساهون بغيّهم. فها هم يهددون السلطة التشريعية بصوت جهير، بأنهم سيعترضون أمام المحكمة الاتحادية على القوانين الثلاثة المهمة التي صوت عليها البرلمان:
قانون الولايتين لرئيس مجلس الوزراء
وقانون صلاحيات مجالس المحافظات
وقانون مجلس القضاء الأعلى..!
ويفضح هذا الاعتراض بشكل لا لبس فيه، أن هذه الكتلة لا تفكر تحت أي ظرف، بأن تغادر مواقعها وتخضع لما يفرضه الدستور من مفهوم تداول السلطة. وليس هذا فحسب، وإنما تتصرف هذه الكتلة وكأنها موقنة بأن أي قوة غير قادرة على زحزحة زعيمها من موقعه. ويمكن الاستدلال على ذلك من اعتراضها على قانون صلاحيات المحافظات الذي انتزع صلاحيات كثيرة تعسفية من المركز، وكيف لانصار المالكي القبول بذلك وهم القيمون على المركز إلى ما شاء الله؟ أما ثالثة الأثافي فهي حرصهم على تركيب مجلس القضاء الأعلى وفق المقاسات التي تمكنهم من فرض إرادتهم على القضاء، وافتراض تسييرها بما يساعد في إدامة تسلطهم.
هكذا يفكر حواريو المالكي "لدرء الفتنة والأخطار" عن العراق وشعبه. وبهذه العقلية التسلطية يخطط رجالات دولة القانون للمرحلة القادمة، متناسين ان الرياح لا تهب كما يشتهي "قراصنة السفن".
هكذا يفكر هواة السياسة هؤلاء، في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ بلادنا التي تتقاذفها الأهواء والتحديات، وتاريخ منطقتنا الحُبلى بالمفاجآت، دون أن يرف لهم جفن من هول ما يمكن أن يسببه هوس زعيمهم بالسلطة والمغانم، ومن مصائب غير ما يثقل كاهل شعبنا حتى الآن.
أوهام دولة القانون والتحديات الراهنة..
[post-views]
نشر في: 30 يونيو, 2013: 10:01 م