نجح الإخوان المسلمون في القفز إلى موقع السلطة، بعد إطاحة الرئيس مبارك، لكنهم فشلوا في إدارة أي من الملفات التي كانت تنتظر حلولاً، لم يكن يكفيها رفع شعار الإسلام هو الحل، طالما هو فارغ من البرامج التفصيلية لحل معضلات الشعب المصري، التي ثار بسببها ضد النظام السابق، وهكذا نزلت الجماهير إلى الشوارع، لتؤكد على سقوط نظام مرسي وإخوانه، وبات واضحاً أن المصريين مستمرون في ثورتهم، وسيواظبون على البقاء في الميادين لحمايتها.
هي إذن ثورة جديدة اندلعت لإسقاط نظام حكم الإخوان، الذين ظهروا بعيدين عن أطياف الشعب، التي التحموا بها في ميدان التحرير، حتّى أن المناطق التي كانوا يحسبونها لهم، خرجت للمطالبة بإسقاطهم، وعلى العكس من سابقتها، التحمت قوات الشرطة بالمتظاهرين، ورفضت حماية مقرات الحزب الحاكم، وتكفّلت بالحفاظ على المنشآت العامة ، وبات مؤكداً أن الثورة اليوم، ليست موجهة ضد مرسي ونظامه فقط، وإنما هي ضد إسباغ شرعية موهومة مستمدة من السماء، على نظام حكم رجعي يتخبط، ولا يبدو قادراً على ادارة دولة بحجم مصر.
يركب الاخوان رأسهم، ويرفضون حتى تغيير رئيس الحكومة، ويموهون على أنفسهم قبل الآخرين، بالزعم أن التظاهرات المليونية فعلاً، ليست سياسية، وقد يكون للمتظاهرين مطالب اقتصادية واجتماعية يسعى الرئيس لتلبيتها، لكنهم في الوقت عينه يعترفون أن البلاد في مأزق لايمكن الخروج منه إلاّ بالحوار، مع أن الشرطة اعتقلت بعض الإخوان بكامل أسلحتهم، وهم يراهنون رهاناً خاسراً بالتاكيد، أن يخف حجم الحشود مع مرور الأيام، ويقللون من تأثير التظاهرات على تماسك النظام، وينفون أيّ نيّة لأن يقدم الرئيس بعض التنازلات، لتهدئة الاحتقان في الشارع، ويصرون على انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في الأيام المقبلة.
مع أن الإخوان استنجدوا بالشيخ القطري يوسف القرضاوي، الذي سارع لإلقاء خطاب عند حشد لهم، وصف فيه ما يجري في مصر بالمعركة والمحنة والبلاء، لكنه لم يتمكّن من تجاهل الأخطاء الفادحة التي ارتكبها مرسي، فقال إن الرئيس ليس معصوما، وشدد على أنه لا يجوز له التعامل مع فصيل دون آخر، لكنه لم يوفر فرصة انتقاد الشباب الثائر الصادق، بسبب سماحهم لأتباع الفلول من النظام السابق، بالدخول بين أفراد الشعب المصري من جديد، وحذر من أن تنازل مرسي سيأتي للمصريين برئيس أسوأ، وقال إن هذا ليس نوعاً من التخمين، بل مكتوب في التاريخ وفي دول أخرى، حسب تعبيره.
بعد سنة في السلطة لم يتمكن الإخوان من إقناع أحد بامتلاكهم برامج ورؤية كاملة لإنقاذ البلاد، كل ما صنعوه كان وصفة للخراب، فالأمن مفقود، والاقتصاد مهدّد بالانهيار، والاستثمارات الأجنبية لا تفكّر إلاّ بالرحيل، جاذبة معها المستثمرين المصريين، الذين بدأ بعضهم في نقل استثماراتهم خارج البلاد، والرئيس وجماعته يتهمون معارضيهم بالإلحاد، والاقباط بتحريك التظاهرات الأخيرة لمنع أسلمة المجتمع، على ما في هذه التهمة من خطورة على السلم الاجتماعي، وباتوا يجهرون بسعيهم إلى العودة إلى حكم الخلافة.
تميزت تحركات المعارضين بسلميتها ، ولجأ الإخوان إلى السلاح، وأقاموا غرفة عمليات عسكرية، وأطلقوا نكتة أن واشنطن تحاربهم، مع أن الشارع هو من بدأ الحراك حتّى أنه يقود أحزاب المعارضة، وهكذا انعدمت إمكانات الحلول الوسط، فكلا طرفي الأزمة يرفض التراجع، المعارضون يطالبون برحيل مرسي، متجاوزين مطلبهم السابق بانتخابات رئاسية مبكرة، وجماعته يؤكدون انه منتخب شعبياً، وأنه رأس الشرعية، ويجب إكمال مدته في موقع الرئيس، ومعنى ذلك أنه لن يرحل استجابة لمظاهرات الشوارع، وسيكون مجبراً على ذلك فقط إن تدخل الجيش، واستولى على السلطة، وعندها ستعود مصر الى حكم العسكر، أو تدخل نفق الفوضى المدمرة.
مصر.. الثورة مستمرة
[post-views]
نشر في: 1 يوليو, 2013: 10:01 م