أحيانا اشعر ببعض العزاء لأني امتهنت الكتابة فهي تمنعني من الانفجار حين انزف بها المي....
رحل محمد عباس مدرب نادي كربلاء، ابن (ولايتنا) وجارنا الطيب وزميل صبانا..رحل الرجل المسالم الى حد البراءة وعاشق بلده الى حد الاستشهاد على أرضه على أيدي قوات سوات.. استفز أصابعي هذا النبأ الذي تلقيته من شقيقي - صديقه الأقرب – مع إطلالة صباح يوم الاحد بعد ان قضينا أياما ندعو له بالشفاء فلجأت الى الكتابة لأنزف المي..
كنا ندرك ونحن ندعو له ونتبادل نزيف الألم والاستنكارعلى صفحات الفيس بوك انه راحل لامحالة فقد كانت ضرباته مميتة وهراوات أبناء سوات (لاتتفاهم)..ثلاثة عشر كسراً في الجمجمة ورضوض وتهشيم عظام ثم آثار(بساطيلهم) على صدره..هل كان إرهابيا؟ صداميا؟ تكفيريا؟..لابد ان أبناء سوات تم تدريبهم بحرص على تأديب او قتل كل من يحمل واحدة من تلك الصفات لكن محمد عباس كان عراقيا مخلصا، عاد من هولندا بعد سنوات مريرة من الغربة ليخدم بلده ويقدم ولاءه لرياضته فعاش غربة اقسى على أرضه..
حين كان يلعب في نادي الصناعة، كنا نقفز فرحا حين نشاهد مبارياته لأن ابننا ربما سيصبح احد لاعبي المنتخب لكنه غادر كربلاء ليحمي نفسه بعد الانتفاضة الشعبانية التي ابتلعت من أبنائها من حمل البندقية ومن لم يحملها وكان محمد آخر من يفكر في حمل بندقية.. لم تدافع عنه مدينته حين غادرها بريئا ولم يحتضن الوطن إخلاصه حين عاد اليه...عاقبته قوات من بلده بارهاب لايتماشى مع صفتها الأمنية فهل صاركل مواطن إرهابيا في نظر سوات حتى لو لم تثبت إدانته..
وصلتنا معلومات ممن كانوا شهودا على الحادث انه كان مستهدفا وان الشجار بين اللاعبين الذي بدأ بتحرش من قوات سوات كان ذريعة لمعاقبته على العودة الى كربلاء و(احتلال) منصب مدرب ناديها....
لم يكن محمد محتلا يوما ما ولوكان يدرك ان هناك من هو اجدر منه بتدريب النادي لترك له مكانه بتواضع لكن من يسلك العنف أسلوباً لنيل مآربه لاينظر الى محمد كانسان بل عقبة في طريق هدف اراد احد المتنفذين تحقيقه..ومن يتدرب على القتل يعتاد على إتمام مهمته بنجاح ليحصل على (عفيه) فالقتل هو إزالة جذرية لأية عقبة وهواية صار يمارسها من يضع عقله في زناد بندقيته..أي مجد حققه المالكي بإرهاب المواطنين بقوات تضم أفرادا جبلوا على العنف..هل ضمن عملا لأكبر عدد من ابناء منطقته (طويريج) التي يطلق عليها اهل كربلاء اسم (العوجة) –على سبيل التهكم – فهو لم يقدم لها اية خدمات تذكر سوى تعيين ابنائها في قواته القذرة لحماية هيبته وضمان انتخابه لولاية ثانية وثالثة والى الأبد اذا سمح الدستور..
رحل محمد عباس تاركا أحلامه وذكريات صباه خلف نافذة زرقاء في منزل اهله العتيق حيث كان يتأمل القمر وهو يستمع الى صوت ام كلثوم وتحت عمود الكهرباء حيث كان يدرس لضيق منزلهم وعلى ارض الملعب الذي طالما تمنى ان يصبح مشهورا فيه كرياضي فاشتهر كقتيل مغدور على أيدي ابناء وطنه!!
لن اقول لك يامحمد انك ستبقى في القلب فالقلب العراقي لم يعد مركزا للمشاعر والعاطفة بل صار عضوا نخشى عليه من الجلطات والتضخم وتصلب الشرايين..ستبقى حيا في الذاكرة فهي الوحيدة التي بقيت لدينا وتعجز هراوات الحكومة و(بساطيلها) عن تهشيمها..
(عَفية) سوات... رحل محمد عباس
[post-views]
نشر في: 1 يوليو, 2013: 10:01 م