تباينت أوجه المقارنة بين ما يحدث في ميدان التحرير بمصر من تجمع أكبر حشد بشري في العالم وبين ما يمكن حدوثه في العراق بدعوى أن سنة واحدة من حكم الأخوان المسلمين هناك مكّنت الشعب المصري من كشف حقيقتهم ونبذ حكمهم فيما لم يتمكن الشعب العراقي حتى اللحظة هذه من كشف حقيقة حكومته (الإسلامية) على الرغم من وجود عشرات الأسباب الموجبة للخروج والتظاهر ومن ثم الرفض والطرد إذا ما علمنا بأن ما حدث في العراق من القتل والخراب والفساد المالي والإداري وتدمير حقيقي لبنية المجتمع يفوق بمئات المرات الأسباب التي أخرجت الشعب المصري عن بكرة أبيه رافضا طريقة حكمهم.
أسباب كثيرة تقف وراء الطمأنينة التي تشعر بها الحكومة العراقية بعدم إمكانية قيام الشعب العراقي بالتحشيد ضدها، أولها هلع ومخاوف كل عراقي من القتل غير المعهود، عبر تناثر جسده في الفضاء، احساسه برعب مضمر داخله،وهذا متأتٍ من معاينته لدمه اليومي وهو يسفك على الأرض، وهو يُنقل قرمزيا عبر الفضائيات. وثانيها أنه لم يتمكن بعد من التخلص من تشرذمه الطائفي –العرقي-المذهبي، القضية التي أوقفت تجمعه تحت مسمّى ما، ذلك لأن العراقي ما عاد يملك هوية وطنية، ما عادت الراية الرافدينية جامعة له،وها نحن ننظر إلى العلم العراقي يرفرف فارغا من كل محتوى، ممزقا مهلهلا على مؤسساتنا الحكومية فيما تكون رايات الطوائف والأحزاب نظيفة محترمة مُدافعاً عنها حتى الموت، ولكي لا نظلم الحكومة من "فسحة العيش" التي يحياها المواطن العراقي نقول إن الرغيف في العراق ممكن فيما تكاد العواصف بمصر أن تعصف به بشكل نهائي.
لم يتهم الشعب المصري حكومة الأخوان بحوادث تفجير وقتل كالتي يمكن للشعب العراقي إتهام حكومته بها، ولم تحدث عندهم صفقات فساد أسلحة بملايين الدولارات، ولم يكن من بين أعضاء مجلس الشعب عضو لم يحضر جلسة واحدة لكن راتبه لم يتضرر، ولم يتمكن الاخوان بعد من سرقة أموال كثيرة كالتي سرقها ويسرقها اعضاء سابقون ولاحقون في الحكومة العراقية. هل كان الشعب المصري قاسيا على حكومة الأخوان، هل كان الشعب العراقي متسامحا مع حكومته؟
يعمل أصدقاؤنا في صفحات الفيسبوك على مقارنات تبدو ممكنة بين ما يحدث في مصر وما يمكن حدوثه في العراق، بدعوى أن التيارات الليبرالية والعلمانية (المدنية) بشكل عام تدرك اليوم اكثر من غيرها موجبات التغيير، من خلال بطلان دعاوى الإسلاميين الذين حكموا العراق منذ 2003 وأوصلوا البلاد إلى ما هي عليه الآن، حيث يكفي أن نقول انها انفقت وخلال 10 سنوات اكثر من ٧٠ مليار دولار أمريكي في قطاع الكهرباء وحده ولم تتمكن من تامين نصف حاجة البلاد منها، غير مدركين بأن القوى السياسية-الدينية تمكنت من الوصول إلى عميق الروح العراقية وتأمينها من خلال بذر نبتة الطائفية فيها، البذرة التي فرقت المجتمع وجعلت من قضية تجميعه في وعاء الحقوق والمطالب الشرعية واحدة من سابع المستحيلات، على الأقل في الوقت المنظور.
يسيرٌ جدا على المؤسسة السياسية-الدينية (وبرعاية الحكومة في العراق) تحشيد الملايين في مناسبات العزاء والاحتفال بمناسبات ولادات ووفيات الأئمة، ولا ضير من ذلك، فهي مناسبات تحيي وتطمئن الروح، لكن ما لا يمكن أن يُدركه الكثيرون أنها اجهزت على روح الرفض لدى الملايين هذه، وبمعنى آخر أنها خلقت جموعاً قابلة بكل شيء إلا رفض وجودها، ذلك لأنها امّنت لهم وسائل انتصارهم (الأبدي) على خصومهم، الحكومة مزقت نسيج شعبها.
الحكومة تمزّق نسيج شعبها
[post-views]
نشر في: 2 يوليو, 2013: 10:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...