كرست الدورة الـ48 لمهرجان كارلوفي فاري للسينما الكردية حيزاً خاصاً، أرادت من خلاله تعريف جمهورها بالمنجز السينمائي الكردي عبر برنامج غني مفرداته قادرة الى حد ما على إعطاء صورة معقولة عن تطورها في كل أماكن وجود الشعب الكردي وبهذا اقترب المهرجان
كرست الدورة الـ48 لمهرجان كارلوفي فاري للسينما الكردية حيزاً خاصاً، أرادت من خلاله تعريف جمهورها بالمنجز السينمائي الكردي عبر برنامج غني مفرداته قادرة الى حد ما على إعطاء صورة معقولة عن تطورها في كل أماكن وجود الشعب الكردي وبهذا اقترب المهرجان خطوة نحو سينما منطقتنا التي اختار منها أيضاً الفيلم السعودي "وجدة" و"عمر" للفلسطيني هاني ابو أسعد الى جانب اهتمامه الرئيس في جمع سينمات شرق وغرب أوربا داخله دون أن يخل بالتزامه كمهرجان دولي يقدم سينمات العالم الى جمهوره ويحافظ في ذات الوقت على خصوصيته التي يحرص على تثبيتها من خلال مفردات وتفاصيل كثيرة تصل غايتها بسلاسة ويشعر الجميع ان ثمة تميزاً في هذا المهرجان يضعه بين أكثرها رقياً وربما أقلها ادعاءً، ونظرة أولية على برنامجه تشي بكل تلك الخصال بدءاً من اختياره أهم ما عرض قبله في مهرجاني برلين وكانّ الى بحثه عن الخاص في سينمات العالم بما فيها عالمنا العربي حيث سيعرض فيلمين من فلسطين: "عمر" لهاني أبو أسعد و"الميراث" لهيام عباس ومن السعودية اختار فيلم هيفاء المنصور "وجدة" وركز اهتمامه هذه المرة على السينما الكوردية حيث خصص لها "نظرة مقربة" تضمنت أربعة عشر فيلماً لمخرجين من مناطق الوجود الكردي، كتحفة يلماز غوناي "الطريق" ومن كردستان العراق سيشاهد الجمهور التشيكي أفلام لهينر سليم وشوكت أمين كوركي ومن الجزء الإيراني سيعرض فيلماً لبهمان قوبادي الى جانب أفلام لمخرجين أكراد آخرين يقيمون خارج حدودها الجغرافية كالفيلم النرويجي الإنتاج "قبل هبوط الثلج" من إخراج هشام زمان وفيه يعالج موضوعاً حساساً يتعلق بقتل الشرف والموقف من المرأة عبر فيلم طريق يبدأ من كردستان العراق مروراً بإسطنبول وصولاً الى برلين ينضج خلالها المراهق الذي خرج للبحث عن أخته التي رفضت الزواج من أبناء أحد شيوخ العشائر عنوة وفضلت الهروب مع حبيبها عليه، الأمر الذي اعتبره أهلها خروجاً على أعرافهم وعاداتهم ولا بد عليه من قتلها ولكن الأخ وفي تجربة بحثه عنها يقع في الحب فيّتَغير ويُغير موقفه من أخته ومن العالم. معالجة هشام زمان هادئة لموضوع شائك واشتغاله السينمائي غاية في الجمال استحق عليه أحد أهم جوائز مهرجان غوتنبرغ السينمائي هذا العام.
لن تجد عناءً دورة هذا العام للحصول على أفلام جيدة من شرق أوربا ليس لأنها متوفرة على طول العام وان هذا الجزء من أوربا يظل متمتعاً بقدرات انتاجية وخبرة تاريخية عريقة كالصربية والبولونية والرومانية، فحسب، بل ولأن الكثير منها خرج بجوائز مهمة في مهرجانات عالمية كبرلين مثلاً الذي منح أهم جوائز دورته الأخيرة للروماني "حالة طفل" والبوسني "فصل في حياة عامل خردة". الأخير أخرجه دانيس تانوفيك وجاء كتحفة سينمائية أمتاز بالعمق ومنتهى البساطة الإنتاجية، ممثلوه أناس من الغجر تحركوا أمام الكاميرا كما اعتادوا التحرك في الحياة اليومية الحقيقية ولهذا يصعب على المشاهد التمييز بين ماهو تمثيلي وما هو تحرك عفوي يُضيّع الحدود الفاصلة المألوفة في العمل السينمائي التقليدي ومن هنا جاءت حرارته، من حرارة البشر أنفسهم، ولهذا السبب أيضاً يمكن وصف فيلمه بأنه من "دم ولحم" يمس عذابات الغجر في هذا الجزء من أوربا ويُبيَّن حدة التمييز الاجتماعي والعنصري ضدهم يقابلها روح تضامنية إنسانية تنتشر بينهم، هي من تبقيهم على قيد الحياة، وتمدهم بالقوة للاستمرار بها. تحفة بصرية ربما لا يضاهيها في القوة إلا فيلم الروماني كالين بيتر نيتزر الذي يدفعنا لملاقاة نماذج جديدة أفرزها المجتمع الرأسمالي الروماني ما بعد عهد تشاوسيسكو، حددت قيمها الأخلاقية وفق مصالحها الاقتصادية، وتوهمت إمكانية تطبيقها على كل المستويات وهذا ما سيتضح لتلك الأم التي أرادت إعطاء كل شيء لابنها وتفضيل حياته وروحه على أرواح الآخرين، حتى اللحظة التي سيتسبب فيها في مقتل طفل بسيارته لتدرك صعوبة البت بين ما هو إرادي يخضع لحسابات المنفعة وما هو روحي يمس جوهر النفس البشرية ويتجاوز قيماً ستتلاشى في تفاصيل إنسانية من الصعب إدراكها إلا في لحظات الانهيار الروحي والبحث عن المُنقذ في الكائن الآخر. الى جانبهما هناك العشرات من الأفلام التشيكية والأوربية الشرقية موزعة على خانات من بينها ماهو مخصص للوثائقي أو ضمن المسابقة الرسمية التي ستضم الكثير من العروض الدولية الأولى من كفيلم يان هربايك "شهر عسل" والبولوني "بابوشا" لكرشتوف كراوزه ويوئانا كورس ـ كراوزه والروسي "عار" للمخرج يوسوب رازيكوف وغيرها من أفلام اختيرت من خارج الحقل الشرقي ستتنافس كلها بدءاً من الثامن والعشرين من شهر حزيران/يونيو حتى السادس من شهر يوليو/ تموز لنيل كرة الكريستال.
تحتفي دورة هذا العام بالمخرجين أوليفر ستون وجيري شاتسبيرغ، وستقدم من أعمال الأخير لجمهورها فيلم "خيال المآتة" أما لستون فوقع اختيارها على ثلاثة أفلام من بينها "الكسندر" أما ثالث المحتفى به فهو مصمم الأزياء السينمائية تيودور بيشتك الذي صمم أزياء فيلم "أماديوس" للمخرج التشيكي الشهير ميلوش فيرمان. في حين ستذهب جائزة منجز العمر الى الممثل والمغني الأمريكي جون ترافولتا الذي سيَحضر ومعه فيلمه الجديد "موسم القتل".