انه فأل سيء للرئيس الاصلاحي الجديد حسن روحاني، حيث يستعد الايرانيون في مفتتح عهده الى استخراج "سلع قديمة" من الخزانة بعد تعذر شراء الحاجيات الجديدة. والامر يستحق ان نسرد حكاية ايرانية دالة.
فمن اكثر الاشياء التي اثارت استغراب العراقيين الذين دخلوا ايران بعد انتفاضة ٩١ سيارة "بيكان" التي كانت يومذاك تمثل ٩٥ في المائة من العجلات الصالون التي تتحرك في الشوارع. ذلك ان ظروف الحرب مع العراق جمدت التنمية وأوقفت العلاقة مع الخارج ولم تترك للايرانيين سوى مصنع انشأه الشاه بداية السبعينات لتجميع سيارة "هيلمن" الانجليزية وجرى اعتماد محرك من طراز قديم نجح الخبراء المحليون في تصنيع اجزائه داخل ايران. فظهرت سيارة بطيئة بلا اي رفاهية، أطلق عليها المهندسون اسم "بيكان" الذي يعني في الفارسية القديمة "الرمح" وراحت تحمل على كاهلها عبء الامة الايرانية نحو ٢٠ عاما.
وحين حصل الانفتاح النسبي منتصف التسعينات وفتح الباب امام استيراد مركبات ألمانية ويابانية، تشجعت الصناعة المحلية على انتاج موديلات حديثة من البيجو الفرنسية وبعض السيارات الكورية. وهكذا وقبل ٨ اعوام قرر الايرانيون احالة "بيكان" العتيقة على التقاعد، ونظموا لها حفل وداع فحضر اسحاق جهانكيري مدير شركة صناعة السيارات لرؤية آخر مركبة من هذا الطراز انتجتها المعامل، وكتب على غطاء المحرك "العزيزة بيكان.. لقد حملت على اكتافك كل احلام صناعة المركبات وقد حان الوقت لتستريحي في المتحف وتراقبي مستقبل الصناعة في بلادنا".
الا ان تلك الاحلام بدأت تتحطم على صخرة "مثالية سياسية" طوقت ايران بأقسى العقوبات في تاريخها. والجرائد في طهران تتحدث منذ يومين عن تفاصيل "نكبة" الصناعة التي صارت عاجزة عن استيراد المواد الاولية، ومعامل السيارات التي لم يعد من السهل عليها ان تواصل انتاج مركبات مثل "بيجو" اذ يتطلب هذا تواصلا مع الشركات الأم في اوربا وآسيا.
اما الخبر الاكثر اثارة فهو ان "بيكان" التي ادت خدمتها وتخيلت انها ستمضي عطلة تقاعد ابدية، ستعود ثانية الى الشوارع بنفس موديلها القديم والبطيء والخالي من اي رفاهية "بلا مسجل صوت ولا تبريد او تدفئة". لانها السيارة الوحيدة التي يمكن انتاجها دون حاجة الى استيراد شيء.
تعليقات الصحف اليوم تستذكر مقالات مطلع التسعينات حيث كان المعلقون يقولون ان جمود صناعة السيارات على نموذج "بيكان" الرديء والبدائي، هو صورة لجمود التنمية وتوقف الزمن. حتى انهم وصفوا حكومتهم بأنها تعمل طبقا لمعايير "الادارة البيكانية" اي التي لا تتطور. وفيما بعد ساعدت اسعار البترول المرتفعة في دفع الاقتصاد الايراني الى نسيان "المرحلة البيكانية"، وقطف ثمار ما انجزه رفسنجاني وخاتمي لاحقا، لكن السياسة دخلت مع احمدي نجاد في ازمة رهيبة مع العالم وفقدت العملة العام الماضي معظم قيمتها وبات الشعب ينطحن في سلسلة متصاعدة من العقوبات، حتى ان اسعار الاغذية تضاعفت مرتين خلال حزيران. واذا استخدمنا تعبيرات المعارضة التي راجت مطلع التسعينات، فسيمكننا ان نقول ان عهد الرئيس روحاني سيشهد عودة الى معايير "الادارة البيكانية".
اما الغرب فهو يتحدث بصراحة عن حيرته ويسأل: هل المطلوب ان نخفف قيود العقوبات لنمنح روحاني المعتدل فرصة لبناء ثقة والتقدم الى المفاوضات عبر بوابة تسامح نسبي؟ فيجيب اخرون: كلا، والمطلوب هو استمرار العقوبات، لان القيود التجارية هي التي اجبرت المرشد على السماح بفوز مرشح اصلاحي، ونأمل ان يظل المتشددون "يتملقون" روحاني بوصفه أملا للتهدئة، طالما كانوا يشعرون انهم بحاجة له في ظل استمرار الغضب الغربي على ايران.
ان "مثالية الراديكاليين" ونقص الواقعية، تجبر الامة الايرانية وهي واحدة من احلى شعوب المنطقة، على اللجوء للخزانة القديمة واستخراج "الرمح العتيق" او "بيكان"، من عزلتها في المتحف الوطني بطهران، واعادتها الى الوظيفة ثانية، مثل محارب عجوز يستدعى لخدمة الاحتياط بعد ان "أكمل سعيه" على أتم وجه. وهذا ما سيبقي روحاني بين مطرقة الدول الكبرى وسندان التشدد في مؤسسات الثورة. وهو ما سيجعل مرشح الاعتدال مطالبا بتلصيق غصن الزيتون المحترق في الشام، على رأس اقرب "رمح" في الخزانة العتيقة، وتجربة الحظ الفارسي في متاهات مجلس الامن.
روحاني يمتشق "الرمح العتيق"
[post-views]
نشر في: 3 يوليو, 2013: 10:01 م
جميع التعليقات 3
حسين رحمن فيض الله المندلاوي
المثقف الكاتب الكبير سرمد الطائي احييك واهنئك وعاشت وسلمت اناملك على هذهالكلمات التي تستحق مني ومن كل المثقفين الاحرار في العراق بصفة خاصة وفي العالم اي على جميع مثقفي الكرة الارضية بصقة عامة في بادء الامر يجب ان اقول كلمة الا وهي الانسان المثقف المفكر
شمران الحيران
بيكان ستكون آخر سجلات التاجر المفلس الخسران....مع التحيه
مهدي من ايران
انا بصفتي عراقي اعمل في ايران اقول للاخ سرمد ان هذا الخبر كذب من جانب شركه ايران خودرو التي كانت تنتج سيارات بيكان و الخبر كان مجرد كلام اعلام . ارجوك اخ سرمد ان تتحقق من صحه المعلومات. ايران الان لاينقطع الكهرباء فيها منذ مده طويله من الزمن و تنتج 45 الف