ليس مفهوماً معنى "التقدم الحقيقي" الذي تحدث عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد جولاته المكوكية، ومحاولاته إقناع الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، بالعودة الى طاولة المفاوضات المتعثرة منذ ثلاث سنوات، في الوقت الذي يؤكد فيه المفاوض الفلسطيني صائب عريقات ، عدم حدوث اختراق في جهود كيري المطوّلة مع نتانياهو وعباس، وكالعادة في تأجيل كل استحقاق لمصلحة الفلسطينيين، أحال كيري بداية التفاوض على الحل النهائي إلى مزيد من العمل، بعد أن تمكّن، حسب تعبيره، من تضييق الفجوات التي كانت عميقةً للغاية، وبأنه وضع قدميه على الطريق الصحيح، حيث تعمل كافة الاطراف بإيمان شديد.
عن أي طريق صحيح وأي إيمان شديد يتحدث كيري؟ في الوقت الذي تعطي فيه بلدية القدس الإسرائيلية الضوء الاخضر، لمرحلة جديدة من مشروع بناء 930 وحدة سكنية استيطانية في القدس المحتلة، وهل يعتبر هذا رداً إيجابياً من نتانياهو على كل ما قاله، وما حمله من أفكار، وما بذله من جهود، وهو يستمع إلى رفضه القبول بحدود عام 1967 كمرجعية للتفاوض، أو التفاوض على أساس مبدأ الانسحاب من الأراضي التي احتلتها الدولة العبرية في حرب حزيران ، أم تراه يكتفي بالموقف الفلسطيني الإيجابي، حيث تمّ بذل كل جهد ممكن لإنجاحه، في حين لم يطالب الفلسطينيون بأكثر من إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين القدامى، كإشارة إلى التزام إسرائيل بالسلام، وإزالة بعض الحواجز في الضفة الغربية، وحتى هذان المطلبان يؤجل نتنياهو النظر فيهما، إلى ما بعد انطلاق المفاوضات، أو حتّى بعد ذلك بمراحل.
كيري أعلن أنه خطأ كبير التقيد بجداول زمنية زائفة، ذلك بالطبع تنازل مجاني، لنتنياهو ومن معه من المتشددين، الرافضين لفكرة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وبالتالي إسقاط حل الدولتين من التداول، مع رفض مبادرة السلام العربية، والاستمرار في نهب الأرض الفلسطينية، ومنحها للمستوطنين، الذين باتوا قوة يضطر حتى نتنياهو لأن يحسب حسابها، خصوصاً أنه تحالف معهم ليتمكن من تشكيل حكومته، وإذا كانت واشنطن سعت لبدء محادثات سلام جديدة، قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، خشية اغتنام الفلسطينيين الاجتماع، مع الغياب الكامل لمحادثات سلام مباشرة، كنقطة انطلاق يقطعون خلالها خطوات جديدة للحصول على اعتراف بدولتهم، فإن ذلك يستهدف الحفاظ على مصالح دولة الاحتلال وحكومتها المتطرفة.
يتحدث نتنياهو بلسانين، من جهة يعرقل أي مسعىً للتوصل إلى حل منطقي، لكنه من الجهة الثانية وفي مواجهة العالم، يتحدث عن السلام المنشود، وهو يبعثر الأوراق، حين ينتهز فرصة زيارة وزير الخارجية الإيطالي لإسرائيل، ليؤكد أن الجهود الأميركية لإعادة إحياء محادثات السلام، بحاجة إلى دعم أوروبي ثابت ومستمر، ويكرّر استعداده للعودة إلى "محادثات عبثية" مع الفلسطينيين، بهدف إنهاء النزاع معهم، وأن تحقيق ذلك يستوجب الذهاب إلى خيمة المفاوضات، والبقاء فيها، حتى تحقيق ذلك.
الواضح اليوم أن جولات كيري المكوكية، وبالتواطؤ معه، باتت بالنسبة لحكومة نتنياهو، وسيلة للتغطية على سياسات الاحتلال، في تنفيذ مشروعه على الأرض، وتقطيع أوصال الأرض والشعب، وتقويض آمال وحقوق الفلسطينيين الوطنية، في الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير، ذلك أن سياسة نتنياهو تقوم على كسب الوقت، وتشريع الإستيطان وتعظيم إرهاب المستوطنين المنفلت من عقاله، والسعي لتحويل الطرف الفلسطيني والعربي حارسا لأمن الاحتلال ومستوطنيه، والمؤكد أن الشعب الفلسطيني سيكون بالمرصاد لكل هذه المحاولات الخبيثة.
كيري يتواطأ مع نتنياهو
[post-views]
نشر في: 3 يوليو, 2013: 10:01 م