عندما جلس الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع كبار مستشاريه للأمن القومي لتحديد موقفه من سيطرة الجيش على السلطة في مصر كانت أمامه خيارات صعبة.كان بمقدوره أن يشجب ما حدث بوصفه انقلابا ضد محمد مرسي، وأن يوقف المساعدات الأمريكية لمصر، أو أن يرحب بالخطوة بوص
عندما جلس الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع كبار مستشاريه للأمن القومي لتحديد موقفه من سيطرة الجيش على السلطة في مصر كانت أمامه خيارات صعبة.
كان بمقدوره أن يشجب ما حدث بوصفه انقلابا ضد محمد مرسي، وأن يوقف المساعدات الأمريكية لمصر، أو أن يرحب بالخطوة بوصفها استجابة للإرادة الشعبية والاستياء من الحكومة التي يهيمن عليها الإخوان المسلمون، لكنه اختار حلاً وسطيّاً وحث على عودة سريعة للحكم المدني وأمر بمراجعة المعونة الأمريكية لمصر، مما يبرز مخاوف مستشاريه من أن الوقوف بجانب طرف ضد الآخر قد يذكى العنف، لأنه يتيح للمتشددين التذرع بالموقف الأمريكي وأن هناك حاجة لرد فعل متوازن للحفاظ على نهج دبلوماسي مرن.
وهذا يكشف الكثير عن نهج أوباما إزاء الربيع العربي، التعامل بحذر دون التلويح بتهديدات، وحين تبنى أوباما دبلوماسية إيثار السلامة فى موقفه من حرب العراق التي يرى أنه ما كان ينبغي أن تخوضها القوات الأمريكية أصلا سمح له ذلك بعدم الدفع بمزيد من الجنود الأمريكيين لأتون الحرب.
لكن ذلك عرضه أيضا لانتقادات لأنه ترك النزاعات المتفاقمة فى المنطقة تتأجج ولأنه يتدخل متأخرا أكثر من اللازم لصياغة الأحداث وتطوراتها مما أفقد واشنطن نفوذها التقليدي فى الشرق الأوسط.
ولهذا سعت الولايات المتحدة منذ اللحظات الأولى لحالة الاحتقان السياسي التى وصلت إليها القوى السياسية المصرية قبل يوم 30 يونيو ومع وجود الملايين من المعارضين والمؤيدين للرئيس المصري محمد مرسي فى شوارع مصر، إضافة لظهور دلائل تبين بان الوضع الأمني يمكن ان يخرج عن السيطرة، حيث شكلت الإدارة الأمريكية فريق عمل لإدارة الأزمة المصرية.. وكانت مهمة هذا الفريق تقديم مقترحات حول ما يجب أن تتبعه الإدارة الأمريكية فى هذه الظروف.
واستضافت مكاتب مجلس الأمن القومي الأمريكي عدد من خبراء الشأن المصري للاستعانة بآرائهم للوقوف على مستجدات الأحداث. كما هرع للبيت الأبيض وزراء الدفاع وفريق كبير من وزارة الخارجية وكبار قادة البنتاجون وممثلي أجهزة الاستخبارات المختلفة.
وبعد عقد اجتماعات على مدار الساعة وامتدادها ليوم 1 يوليو، وبعد بيان وزارة الدفاع المصرية الذي بث يوم الاثنين ومنح القوى السياسية 24 ساعة للتوصل لاتفاق. اتفق الحاضرون على أن الوصول لاتفاق بين الرئاسة المصرية والقوى السياسية المعارضة لها ـ يمكن لها الخروج من الأزمة بما يوقف التظاهرات ـ أصبح شيئا من الخيال خاصة بعد خطاب الرئيس مرسي والذي أعلن فيه تمسكه بشرعيته الانتخابية كرئيس لمصر لفترة أربع سنوات. ولم يعد هناك بديل للجيش إلا التدخل.
وتبلور الموقف الأمريكي واضعا في الاعتبار عدة عوامل:
1ــ أن حدوث انقلاب عسكري يعني تلقائيا وبمقتضى قانون أقره الكونجرس الأمريكي عام 1961 وقف كل المساعدات لمصر، ولأية دولة يتدخل فيها الجيش بالانقلاب على رئيس مدني منتخب.
2ــ ضرورة عدم انفراد القوات المسلحة بإدارة المرحلة الانتقالية ووجود وجوه سياسية مدنية لها شعبية ومصداقية.
3ــ عدم اتباع أي أساليب قمعية مع كبار قادة الإخوان المسلمين وغيرهم من القوى السياسية الإسلامية.
من هنا جاءت مكالمات تليفونية كثيرة وطويلة بين مسؤولى البنتاجون ووزارة الدفاع المصرية هدفت للتأكيد على عدم استخدام العنف، وعدم الرغبة فى وقوع «انقلاب عسكري».
وتحدث وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاجل مرتين مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي آخرهما صباح يوم الأربعاء وقبل ساعات من إعلان البيان ولم يكشف المتحدث باسم البنتاجون جورج ليتل لوكالة رويترز عن تفاصيل ما دار فى المكالمات، وذكر «أعتقد أنكم يمكن أن تفهموا حساسيات الوضع الآن».
وقبل خروج الفريق السيسي ببيانه والذى قابل التوقعات الأمريكية قالت وزارة الخارجية الأمريكية خلال المؤتمر الصحفي يوم الأربعاء إن واشنطن «قلقة للغاية» بشأن الوضع فى مصر، موضحة أن المقترحات الواردة فى خطاب مرسي «غير كافية» لحل الأزمة، وأن الموقف لايزال مائعا ولا يمكن تأكيد حدوث انقلاب عسكري.
وطالبت جين ساكى، المتحدثة باسم الوزارة، خلال مؤتمر صحفي لها، كل الأطراف فى مصر بالتحدث مع بعضها وخفض مستوى العنف، حقناً للدماء وتداركا للأزمة، وأضافت أن مرسي يجب ان يفعل المزيد للاستجابة لبواعث قلق الشعب المصري، مشيرة عدة مرات إلى أنه لا يمكن تأكيد أن ما يحدث انقلاب عسكري.
وبعد بيان السيسي والذي تضمن إزاحة الرئيس محمد مرسي، ووضع خطوط عامة للمرحلة الانتقالية خرج الرئيس أوباما ببيان غير متلفز (على العكس مما جرى عند تنحي مبارك) قال فيه «إذا اعتبرنا أن تحرك الجيش انقلابا، فإن الولايات المتحدة ستكون ملزمة بقطع المساعدات العسكرية عن مصر». وأضاف «أن الأجهزة الأمريكية المعنية، تعكف حاليا على تقييم أبعاد الخطوة التي اتخذها الجيش المصري ومدى تأثيرها على المساعدات الأمريكية».
ولم يصل أوباما إلى حد توجيه إدانة صريحة لتدخل الجيش، الذى جاء وسط قلق متزايد بين المسؤولين الأمريكيين بشأن قيادة مرسي، وقال أوباما «تراقب الولايات المتحدة الوضع الذي لم تتحدد معالمه بعد فى مصر، ونعتقد أنه فى نهاية المطاف فإن مستقبل مصر يمكن فقط أن يقرره الشعب المصري، بالرغم من هذا نحن نشعر بقلق عميق لقرار القوات المسلحة المصرية عزل الرئيس مرسي وتعليق الدستور المصري».
وقبل ظهور تقارير تفيد احتجاز الجيش للرئيس مرسي، وإصدار أوامر لاعتقال 300 من أعضاء حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، حث أوباما، الجيش المصري على تفادي «أي اعتقالات تعسفية للرئيس مرسي وأنصاره.
كان المسؤولون الأمريكيون على علم بأن مصر تقف على حافة المتاعب مع تزايد الأعداد التي تدفقت للاحتجاج على حكومة مرسي. وأصيبت واشنطن بخيبة أمل بعدما بدا أن الرئيس المصري عاجز عن اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية حاسمة حتى عندما تعلق الأمر بالشروط الميسرة الخاصة ببرنامج مساعدات من صندوق النقد الدولي. وبحث المسؤولون الأمريكيون ما إذا كان يتعين دعوة الإخوان المسلمين إلى عقد اجتماع لبحث المسار أمام الحكومة المصرية وإحاطة مرسي بمساعدين متمرسين. وانهار كل ذلك حينما تدفقت الحشود على الشوارع وتدخل الجيش. وربما أساءت إدارة أوباما فى الحكم على المزاج الشعبي حينما قالت آن باترسون السفيرة الأمريكية فى القاهرة مؤخرا إن احتجاجات الشوارع ليست الوسيلة لتحقيق التغيير. وفسر كثيرون فى مصر تصريحاتها على أنها تأييداً لمرسي. وسخرت منها لافتات رفعت فى أنحاء القاهرة.
من هو عدلي منصور، رئيس مصر المؤقت؟
أصبح رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية عدلي محمود منصور، رئيسا مؤقتا لمصر، وذلك بعد أن أطاح الجيش بالرئيس المصري محمد مرسي.
وأوقفت القوات المسلحة العمل بالدستور في الثالث من يوليو / تموز، كما أعلن القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي عن أن منصور سيتولى مهام الرئاسة حتى تجري الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. وبعد أن كان نائبا لرئيسها منذ عام 1992، انتخب منصور رئيسا للمحكمة الدستورية العليا في مايو / أيار عام 2013 من قبل جمعيتها العامة المؤلفة من 10 أعضاء بعد تعديل قانونها وفقا لدستور 2012.
وكان من المفترض أن يحلف اليمين رئيسا للمحكمة في الأول من يوليو/تموز، إلا أن الأحداث التي جرت في الثلاثين من يونيو/حزيران حالت دون ذلك.
ويصف موقع مصراوي الإلكتروني منصور بأنه رجل يكتنفه قدر من "الغموض"، وأنه لم يظهر كثيرا في وسائل الإعلام.
وحصل منصور، الذي ولد في القاهرة عام 1945، على شهادة الليسانس من كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1967، والتحق بمجلس الدولة عام 1970، ليتقلد عددا من المناصب حتى عين نائبا لرئيس المحكمة الدستورية العليا عام 1992.
ترأس منصور جلسات الاستماع الدستورية عام 2012 والتي ألغت قانون "العزل السياسي"، الذي كان يحظر على أعضاء النظام السابق التنافس في الانتخابات.
وكان من شأن ذلك القانون أن لا يسمح لأحمد شفيق آخر رئيس للوزراء في نظام مبارك أن يخوض السباق كمرشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. ويبدو أن اسم منصور قد ظهر لأول مرة حين اقترح أن يتولى رئاسة البلاد في الثلاثين من يونيو/حزيران.