TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الإخوان .. ريشةٌ في مهبّ الريح

الإخوان .. ريشةٌ في مهبّ الريح

نشر في: 5 يوليو, 2013: 10:01 م

مثل ريشةٍ في مهب الريح طارت تجربة حكم الأخوان المسلمين في مصر بعد سنة واحدة فقط. والجغرافيا بالغة الأهمية هنا، فمصر مهد الولادة وعُقر الدار للاخوان المسلمين الذين سعوا على مدى 85 سنة للوصول الى السلطة بكل الوسائل وفي مقدمتها وسائل العنف، من الاغتيالات الى محاولات الانقلاب. ولم يتورعوا لتحقيق ذلك عن التعاون مع قوى وحكومات وأجهزة مخابرات أجنبية.
 وعدا عن فترته القصيرة، فان مما له دلالة مهمة أيضاً ان سقوط حكم الأخوان في مصر جاء بثورة شعبية عارمة، ذلك ان الاخوان حرصوا دائما على تقديم أنفسهم في صورة الحركة الأكثر شعبية والأقرب الى الجماهير وبخاصة الطبقات الدنيا والوسطى، وبذلوا المال واستخدموا الجوامع من أجل التقرب الى هذه الطبقات، واعدين إياها بجنة على الارض تسبق جنة السماء.
كيف سقطت تجربة الإخوان بهذه السرعة؟ .. التاريخ مهم، وسقوط تجربة الاخوان في مصر حدث في الثلاثين من يونيو(حزيران) الماضي وليس بعد ذلك بثلاثة أيام (3 يوليو/تموز الحالي). ففي ذلك اليوم نزلت جماهير الطبقات الدنيا والوسطى بعشرات الملايين الى الساحات والشوارع في المدن والقرى المصرية، مطالبة برحيل الاخوان عن السلطة، وعاقدة العزم على المرابطة سلمياً حتى تحقيق ذلك الهدف. وقيادة الجيش المصري لم تقم بانقلاب عسكري في الثالث من تموز، كما يُصور الاخوان وامتداداتهم في الخارج، وانما هي تحرّكت لانهاء عملية سقوط حكم الاخوان في أقصر مدة حقناً للدماء التي ما كان الاخوان سيتورعون عن سفكها.
تجربة الاخوان طارت كما الريشة في مهب الريح لأنها كانت فاشلة فشلاً ذريعاً. وهي فاشلة لأن الاخوان لم يكن لديهم برنامج لإدارة الدولة والمجتمع. كان همّهم الأكبر هو الوصول الى السلطة ملوحين بشعار "الاسلام هو الحل". وبعد سنة لم يظهر للمصريين أي ملمح من ملامح الحل، اسلامياً كان أم غير اسلامي، فكل ما حدث على مدار السنة هو اجراءات اعتباطية مرتبكة أثارت أعمق الانقسامات في المجتمع وأوصلت الاقتصاد الوطني الى حافة الانهيار وزعزعت أركان الدولة.
الاخوان المسلمون أول وأكبر حركات الاسلام السياسي وأكثرها خبرة في العمل السياسي.. ومن رحمهم خرجت وعلى غرارهم نشأت كل الحركات والاحزاب الاسلامية التي صار عددها الان بالمئات، سُنّية وشيعية، وهي جميعاً، وبخاصة التي تولت السلطة، تواجه مأزقاً شبيهاً بالمأزق الذي انتهى بالحركة الأم الى السقوط السريع المدوي. في تونس حركة النهضة مرشحة لمصير مماثل إن لم تتغير .. حزب العدالة والتنمية التركي راحت أخيراً سكرة الناس به وحلت الفكرة .. ولا استثناء للعراق، فمأزق الإسلام السياسي الذي مكنته القوات الأميركية من حكم البلاد، هو الآن بأشدّ ما يكون .. لم يقدم اسلاميو العراق، الشيعة والسُنّة، للناس سوى المزيد من الموت والخراب والفقر والجهل، متمكنين من مواصلة الحكم فقط بالمال العام المنهوب وبالحديد والنار الموضوعين في أيدي أحد زعمائهم، هو رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة.
تجربة الاخوان الساقطة في مصر والتجارب الآيلة لسقوط مماثل للأولاد في تونس وتركيا والعراق وسواها، لها معنى واحد هو ان الاسلام السياسي لم يجهز بعد للديمقراطية. بل انه لن يجهز أبداً.    

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. خليلو...

    تعليقا على السطور الاخيرة من مقالك ايها الاستاذ العزيز،لن تؤسس الاحزاب الدينية قطعا نظاما ديموقراطيا ، وان اسسته فلن تلبث ان تحيد عن ثوابته بعد حين ،لا اريد عرض امثلة فبمجرد الالتفات الى نماذجة معاصرة للتجربة الاسلامية في يومنا نتحقق من صدقية هذه الرؤية

  2. عدنان فارس

    اذا كان ماقد حدث مؤخراً في تركيا من مظاهرات شعبية ضد مشروع إنشائي حكومي تركي على أنه مأخذ ضد الحالة الديمقراطية في تركيا فإن في فرنسا وفي العديد من دول الديمقراطية في العالم ومؤخراً في السويد قد حدثت مظاهرات عارمة وحرق محلات وسيارات ومؤسسات وتعطيل حياة

  3. أحمد

    لا أعرف لماذا انت متحتمل جدا ومبسوط على فشل الاخوان والاسلام السياسي بشكل عام ؟ لماذا تكره الاسلام لهذه الدرجه ؟ لماذا الحقد ؟ هل انت مع كل الانظمه الاخرى قبل الاخوان والاسلام السياسي التي التي اوصلت جميع الشعوب العربية الى الحضيض ؟ هل يوجد لحضرتك اي مقال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram