TOP

جريدة المدى > عام > مخطط لعبور الجحيم

مخطط لعبور الجحيم

نشر في: 6 يوليو, 2013: 10:01 م

كفّها وردةٌ في الرسغ دافئة مع ما خلف الندى من برودتهتحدثني بخفق المتوثب الحذروترد بكل وهجها رغبة تريد تلامس الهواء .تختار من كون اللغة كله ثلاث أو أربع كلمات منتهى الاقتصاد في اللغة . منتهى الثراء في الرغبة .وجهها يحتفظ بمهرجان ألوانه بألعابه النارية

كفّها وردةٌ في الرسغ
دافئة مع ما خلف الندى من برودته
تحدثني بخفق المتوثب الحذر
وترد بكل وهجها رغبة تريد تلامس الهواء .
تختار من كون اللغة كله ثلاث أو أربع كلمات
منتهى الاقتصاد في اللغة . منتهى الثراء في الرغبة .
وجهها يحتفظ بمهرجان ألوانه
بألعابه النارية وبإشاراته..

ونحن ببهجة الخارجين من زورق
عجلين الى موسيقى مختفية في غرفة ,
غرفة لائذة خلف سلّم ,
سلم منحن نصف دائرة , مثل ذراعين
يريدان اصطياد حَجَلٍ ما عاد يُرى .
لكنا أخطأنا الإشارة . ليس ذا المكان،
اولاء لن يفتحوا للغرباء الباب والزورق ارتحل .

تلك الأمسية التي لامست الليل
أرتني أشجاراً تدخل في البهجة وتنام
أرتني نوافذ مضاءة وراءها حياة تحتفل .
أرتني ذاتي متوهجة
تميل فوق الحياة قوس قزح مُكلَّفٍ بالحراسة .
كل هذا كان بعد النغم الموجع للأغنية الأخيرة
وبعد أن تلقفتك يا حبيبتي مثل هبة في الطريق .
لكن عالمنا , الذي أبقى فيه الغسق تذكاراً ,
هذا العالم يدري بأنه أسقطني من السرب
بطلق ناري .
لكن لا يدري بأنه كشف لي حديقة سّرية
سكنتها المباهج القديمة
حزني الوحيد حين أرى السرب الذي سقطت منه
استمر يكمل السفر..

كانت ليلة صافية . فيها التماع خزف جديد
ودخلت المدينة مثل أمير غريب تزين عباءته
زخارف ذهبية لأبيات نادرة قالها
الشعراء الذين أتْبَعْتُ .
لافتة نصف مغطاة بالغبار ,
نبهتني الى العوالم التي سلفت تحمل جواهرنا الغائبة
والوشم الذي كان بديلَ أسمائنا .
لستُ مكتشفاً . أنا سائر على الأثر .
وأنا استعرض , دون انتباه الى الجانب الآخر ,
أناساً كثيرين
مروا من هنا أو أرسلوا أوراقهم تستكشف الأدغال .

قلت هذا عالم مسمم بالبؤس
وانا واحد من ضحاياه أتمتع بأجر الهزيمة
والوقوف بعيداً عن الزوبعة .
حين اشتدت , انشق الحشد نصفين
سيل منه احتمى بالأزقة واطفأوا في بيوتهم الأضواء
ونصف انسلَّ عائداً وكأنه متجه لنصرة الأعداء .
وفي الوسط خرائط من دمٍ ,
منحتُ نفسي من بعد مهمة القراءة .
مرعبٌ ما قرأت . أقطر خزياً .
يا لتشوهات الإنسان في الخسارة !
لا تكشفوها . مفزعةٌ حقائقنا !

يا لي من فردوسّي ضائع
كل قصائدي كانت رسائل للناس الذين يجيئون
والناس الذين عبروا الى الضفة الثانية
بينما أنا أغرق ببطء .
رجل جاء، عبر الأنقاض التي خلفت المعارك
تشتبك على وجهه خطوط الغضب المعمرّة
ليخلع أسماله عند باب الحديقة
ويرى نفسه يتحول طيراً بحرياً في فردوس الطريق.

هكذا كنت أخدع نفسي واسحب الظل
على القصة كلها
ذلك الرجل كان أنا , ولم يك في الحديقة ماء .
واحدٌ من حشد اضطربوا في الطريق
شعورهم مرسلة والراية مسحت ألوانها السموم .
بين مرارة السم واذرع الإخطبوط
اصطدمت الجباه بما ظنناه ظلاً .
انهتنا الرحلة سِلَعاً وبضعة زهّاد لا يؤمنون بغيب ولا ماكنه .
سلمنا من الموت . لكننا لم نجد شيئاً في حياتنا الباقية ..
لم اجد حرفة
صرت في سوق المدينة مزوّقَ تعابير .
ماذا يعني ان الحديقة ليست بعيدة عني ؟
بيتي ملغوم بالعار !

قد يظن العابر ذلك فوزاً . هو عابر على كل حال .
وقد يعيد لي انتباهي وهو
يرشق جبهتي بسؤال بعد سؤال:
أي الأضرار تصيب الروح عند الفقد ؟
كيف العيش بلا دمٍ يشتعل ؟
وأي الخنازير تقتل التاريخ ؟
أ مساومة هي الحياة على جوهرة الكون ؟
أما زلت تسمع الأسئلة ؟ مالك تختض ؟
يا لغرق المراكب !
يا لشناعة رقم الضحايا
ويا لعار التخلي !
يا للحسرة ! كان دمنا السماد الوحيد الذي نملك .
والبذور التي كانت بأيدينا
غير البذور التي أردنا زراعتها !

لكن من قال انتهى كل شيء ؟
وما تزال منابع القوة بكراً. أرى آخرين يبدأون السفر
يحيون محطتنا بأسف ويواصلون . أسأل نفسي:
أليس مجداً أنهم رسموا مخططاً لعبور الجحيم ؟
وأنت , أنت
ما تزال تحب ذلك الفيلق العظيم !

اقتعد المسافرون ظل الجدار شيوخاً .
كل يفكر بشيء
لكن ما يشغلني هو من أي باب
دخلتُ انا في الحديقة ؟ لا أظنني باقياً فيها
هي ليست لأمثالي: متشرد أنا وسليل حرائق
وحينما تحاصرني الشمس , ألوذ بأيمّا
ظل يصادفني حتى أنجو .
وأنتِ يا حبيبتي كيف ارتضيت حديقةً من حجر ؟
قالت: عادةً ما أكون هنا . لا تليق بك شدة الحزن .

أنقذتني بأن أدارت وجهي وذكرتني
بسعة الموج في الشوارع .
كان وجهها شاحباً من تعب ,
من غموض الشبكة وصعوبة العبور:
ما فاتني أن أرى المحبة في تلك الكف التي
يغفو عليها الحنان .
وما فاتني أن أرى بين مفاتيحها واحداً للفردوس .
قلت: حصتنا من العالم محبته والرحيل ظامئين .
قالت: إذا كان بهذا الحجم حنينُك ,
فلماذا تركت الحشد ؟

انحنى رأسي على الورق
ابحث عن متًكأٍ , عن نجدة .
لكنها أدركت بمعرفتها البعيدة لروحي
إني مسكون ببذرة العدم
واني لا استحق يباسَ المصير .
حين رفعت كفَّها عن جبيني
استغربت الرمادَ الذي رأته . قالت بأسى:
"أفضل ما عندك احترق ! "

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القصة الكاملة لـ"العفو العام" من تعريف الإرهابي إلى "تبييض السجون"

الأزمة المالية في كردستان تؤدي إلى تراجع النشاطات الثقافية والفنية

شركات نفط تباشر بالمرحلة الثانية من مشروع تطوير حقل غرب القرنة

سيرك جواد الأسدي تطرح قضايا ساخنة في مسقط

العمود الثامن: بين الخالد والشهرستاني

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

بيت القصب

مقالات ذات صلة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة
عام

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

حاوره علاء المفرجيهاتف جنابي؛ شاعر وكاتب ومترجم للأدب البولندي إلى العربية والعربية إلى البولندية. نشأ وتعلّم في مدارس العراق، وفي سنة 1976 توجّه نحو بولندا، لإكمال دراسته، ومن ثمّ للعيش فيها. منذ ذلك التاريخ،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram