كان مقدراً أن تأخذ الأمور في مصر هذا المنحى المؤسف من اعتماد العنف ضد القوى التي تصدت لإطاحة الإخواني محمد مرسي. لكن التحشد الشعبي الذي "لم يسبق له مثيل في التاريخ" كما ذكر كثيرون منهم عملاق المعلوماتية غوغل، والذي كان يطالب برحيل الرئيس الفاشل، أوقع ذوي النوايا الطيبة في وهم، ربما هو في ذات الوقت من باب التمني، بإمكانية عقلنة مكتب إرشاد الإخوان، وفرملة انحداره إلى التحريض السافر على ممارسة العنف ضد الشعب المصري، ليفكر بدلا عن ذلك باستخدام قاعدته الحزبية في عمل سياسي كثيف وصبور وفعال، لاستعادة ثقة الجماهير الشعبية التي واجهت "رئيسه" في ميادين مصر وشوارعها ونجوعها، بسلمية فاقت أي تصور حول قدرتها على الانضباط.
لكن الطبيعة التي نشأ عليها الحزب تاريخياً ، والممارسات التي ارتبطت به في مراحل مختلفة من التاريخ المصري، وفي ظل عهود وأنظمة ورئاسات مختلفة، تؤكد انه لا يستطيع أن يخالف العادة التي جبل عليها، كما الأهداف المشبوهة التي رسمها لنفسه.
والأحداث التي اتخذت لها مساراً مؤسفاً على الضد من تطلعات الشعب المصري المنتفض، كشفت عما لم تتضمنه الإخفاقات العديدة من حكم مرسي. وأخطر ما افتضح من المخبوء الإخواني، مخطط قضم الدول العربية وأخونتها الواحدة بعد الأخرى، في إطار تنظيمهم الدولي الذي لم تتكشف أذرعه، ومصادر تمويلها وطبيعة امتداداتها وما رسم لكلٍ منها.
وإذا كانت طبيعة التنظيم الدولي الإخواني معروفة بوجه عام، إلا ان العلاقات المتبادلة فيما بين بعض فروعها تظل بعيدة عن الأضواء، وهذا ما قيل عن الحزب الإسلامي العراقي الذي بدا للبعض كما لو انه مستقل بنفسه. ولو صحّ هذا لكان دليل نضج وتفهم للطبيعة المعقدة للوضع السياسي والمجتمعي في العراق. فعراق ما بعد التغيير الذي تلا سقوط الدكتاتورية السابقة، وتكوّن على أساسٍ طائفيٍ مقيت، فرض مواجهات دامية أحياناً على أساس الهوية، ما تزال تنذر بمخاطر كامنة تعكسها حتى الان أزمات وإشكاليات تتفاعل في الحياة السياسية، وتهدد السلم الأهلي والوحدة الوطنية الهشة.
ومثل هذه التناقضات التي ينطوي عليها الوضع في العراق تفرض على مختلف الأحزاب والقوى، تجنب أي مقاربة مع امتدادات خارجية تنزع عنها هويتها الوطنية، وتضعف مصداقيتها في ما تطرحه من خيارات وحلول تتعلق باستحقاقات شرائح تدّعي التعبير عن مصالحها وتطلعاتها.
ومن هنا كان غريباً على الحزب الإسلامي، الذي حاول بصيغٍ ربما لم تكن مباشرة، إنكار كونه امتداداً للإخوان المسلمين أو فرعاً من فروع تنظيمهم الدولي، انحيازه ودفاعه وتبنيه لمشروع الإخوان في مصر، دون أن ينتبه إلى انه بذلك يضع نفسه في تعارض كامل مع أكثر من ثلاثين مليون مواطن مصري طالبوا في الميادين والشوارع والنجوع برحيل حكم الإخوان المسلمين! كما انه بذلك يساهم في إضعاف الحركات الاحتجاجية الشعبية في الأنبار ونينوى، ويجردها من طابعها التمثيلي والإرادة المعنوية لمن تعبر عنهم، أو القيمة الأخلاقية للتحرك نفسه في مواجهة حكومة عراقية منتخبة بالأكثرية العددية ، بغض النظر عن القوة التمثيلية المكونية للتصويت!
إن على الحزب الإسلامي ان يتدارك هفوته بالصيغة التي يراها مناسبة . ويجدر به ، كما بكل الأحزاب والكتل الأخرى ، ان تنطلق في خياراتها وسياساتها وانحيازاتها، من الهم الوطني العراقي ومصالح العراقيين ، وتحدد مواقفها في ضوئهما، بعيداً عن الانحيازات الفئوية الضيقة ، خصوصاً المرتبطة بامتدادات ومصالح خارج الحدود.
وعلى الحزب الإسلامي، وكل إخوان مصر، أن يعترفوا قبل فوات الأوان، بان ما جرى في مصر لم يكن لا من حيث الشكل ولا المحتوى، انقلاباً عسكرياً ، بل انتفاضة شعبية واعدة جاء التدخل العسكري ليكرس انتصارها. وهما معاً، الانتفاضة الشعبية والتدخل العسكري ، تؤشران الى "عقد" جديد بين الجيش والشعب.
كي لا يكون إسلاميونا مرايا لمرسي
[post-views]
نشر في: 6 يوليو, 2013: 10:01 م