كتاب جوناثن سبيربر الجديد (كارل ماركس حياة القرن التاسع عشر) (*) استعادة ذات دلالة لحياة وكفاح وفكر واحد من أكثر مفكري القرن التاسع عشر – البعض يعده لم يزل كذلك حتى في قرننا الحالي – هو كارل ماركس، فيلسوف المادية والاقتصاد السياسي وحامل مصباح البروليتايا العالمية في دروب الفقر والاستغلال ومكتشف فائض القيمة والملكية الخاصة الأساس الأقوى لتراكم الثروة والجشع، والمحلل البارع لطبيعة السلعة وذو الأوجه المتعددة: الرومانسي العاشق والكاريزمي والكوسموبوليتي والشاعري.
إن هي لمصادفة غريبة أن أكتب هذا العمود عن كتاب سبيربر أثناء قراءتي للجزء الأول من كتاب هذا الفيلسوف الألماني (رأس المال) بترجمة عربية ممتازة أنجزها الدكتور فالح عبدالجبار أخيراً، وهي نسخة منقحة ومزيدة مقارنة بالطبعتين الألمانية والثانية المترجمة عن الروسية (السوفيتية) وهو الكتاب الأهم من بين أعمال ماركس الذي استغرقه العمل فيه قرابة أربعين عاماً!
يهوّن ماركس في إحدى مقدماته لكتابه من صعوبته للقارئ ويحثه على الصبر فالصعوبة تكمن في فصله الأول فقط، ويطالبه بأن يبذل قليلاً من الجهد، ذلك أن طلب العلم طريق وعرة، بل ثمة من يقول ومحفوفة بالمخاطر عندما يتعلق الأمر بكتاب مثل (رأس المال) الذي يمس قدس أقداس البرجوازية التي يتساهل أربابها إزاء الإلحاد لكنهم لا يتساهلون مع نقد علاقات الملكية الموروثة، حسب تعبيره هو، لأن "قضية إجراء تحول في علاقات رأس المال والملكية العقارية هي القضية التالية بعد إلغاء العبودية، كما أعلن، وقتها، نائب الرئيس الأمريكي السيد وايد".
أما كتاب سبيربر فهو تدوين شيق لسيرة ذاتية كتبه المؤلف بشكل خلاق، ويكشف فيه الجانب الإنساني لدى مكتشف الماديتين، الجدلية والتاريخية، فيورد صفحات عدة عن رومانسية ماركس الذي يكتب لزوجته جيني: "الحب ليس الوجود البشري عند فويرباخ وليس البروليتاريا.. الحب هو ما يحيل الإنسان، ثانية إلى إنسان".
لكن سبيربر سرعان ما يدخل، وهذا أمر مفروغ منه، في لب أفكار ماركس ليجعل من تاريخيتها جوهر دراسته.
الكتاب يسلط الضوء على تشكلات ماركس الشاب في بيئة معقدة وفقيرة حيث تولدت لديه مشاعر الاشمئزاز إزاء "المجتمع الأوامري" المتمثل بالأرستقراطية والبيروقراطية والبرجوازية والعسكرتاريا.
يقلل سبيربر من دور فيورباخ من تشكيل فهم ماركس للاغتراب مشدداً على عصر ماركس في كل من باريس وبرلين واصفاً شيوعية ماركس كاستجابة ذاتية لقوى الإنتاج المهولة التي أطلقتها الثورة الصناعية.
ويشير المؤلف إلى (البيان الشيوعي) الذي يلقي الضوء على ما أسماه "التجار المتمردين" ودورهم في تحويل الأسواق وتحطيم "مجتمع الأوامر" القديم، والمقصود هنا هو دور البرجوازية في طورها الثوري الذي نقل المجتمع من الإقطاع إلى البورجوازية.
تريسترام هانت، عضو البرلمان البريطاني الشاب عن حزب العمال كتب في صحيفة (الغارديان)، كما عرضه آخرون في الصحافة الأمريكية، عرضاً مهماً لكتاب سبيربر، منوهاً إلى اعتماد المؤلف، بشكل وثيق، على (البيان الشيوعي) انطلاقاً من تقليد كيمبردج بشأن الفكرة السياسية التي يمتد سياقها إلى محاولات ماركس المبكرة في الآيديولوجية الشيوعية في (مخطوطة باريس) إضافة إلى المادية التاريخية كما وردت في (الثامن عشر من برومير لويس بونابرت).
يثير الكتاب تساؤلات عدة لدى القارئ بشأن ماركس القرن التاسع عشر وإلى مدى يحسب نقاده ومفسروه المسافة الطويلة الممتدة من ذاك القرن حتى هذا القرن، وكيفية فهم ماركس من قبل الماركسيين، وجملة القضايا الساخنة التي أثارها إنجيلهم (رأس المال) وما الذي تغير اليوم عند "نهاية التاريخ" الذي يصر ماركس على "بدايته" وما الذي تحتفظ الماركسية به وذاك الذي سقط من متاعها في الطريق الطويلة؟
ما الذي بقي من رأسمال ماركس؟
رغم المؤاخذات والجوانب المثيرة للجدل في كتاب سبيربر، يقول هانت، إلا أنه روى حياة ماركس في تلك الحقبة بأسلوب بارع.
ما الذي تبقى من رأسمال ماركس؟
[post-views]
نشر في: 8 يوليو, 2013: 10:01 م