يرتبط شهر رمضان المبارك، دائماً، بجملة من الطقوس والعادات والتقاليد، التي يقوم بها الناس ولا ترتبط مباشرة بالعبادات الخاصَّة بهذا الشهر. كما هو الحال مع "الماجينا يا ماجينا" ولعبة المحيبس، وغير ذلك من الممارسات التي تختلف باختلاف الشعوب المسلمة.
هذا النوع من الارتباط بين العادة والعبادة، وبين الديني والاجتماعي، يكشف البعد الحقيقي للدين، البعد الذي لا يتقاطع مع حاجة البشر إلى الترفيه، خاصة وان انسجام العبادة مع العادة الترفيهية، يجعل تأثير الدين اكبر واشمل، فلا يعود شأناً من شؤون شريحة محددة من الناس.. لكن هذه الحقيقة "الانثربولوجية" لا يستطيع ان يفهمها القائمون على الدين، ممن يتخيلون بأنه عبارة عن وصفة جاهزة يجب ان تطبق بحذافيرها مع غض النظر عن التغيرات الهائلة التي طرأت على المجتمع البشري. هؤلاء لا يريدون ان يعترفوا بحقيقة، ان الدين يجب ان يتكيف مع عادات الناس، لأن هذه العادات لا تأتي من فراغ، بل تأتي لسد حاجات اجتماعية وحياتية، والوقوف بوجهها يشبه محاولة الوقوف بوجه مجرى النهر، فعاجلاً أم آجلاً سيجد النهر مساراً مختلفاً لمجرى مياهه التي لا يمكن حبسها إلى الأبد.
هذا النقاش يفتح ملف حدود الدين، وما يجب ان يتدخل به، وما يجب أن ينأى بنفسه عنه. وهو ملف طويل عريض ولن تنتهي مناقشاته. لكن ما أريد التنبيه عليه هو وجوب توقف الإسلاميين عند تجاربهم التاريخية الطويلة، الخاصَّة بمحاولاتهم فرض تصور محدد للدين، وأين نجحوا وأين اخفقوا، ودائماً اذكّر في هذا الاطار بموضوع فرض الحجاب على الإيرانيات من قبل نظام يريد أن يكون إسلامياً، ففشل هذا النظام باقناع شريحة كبيرة من الفتيات بارتداء الحجاب كاملاً، يكشف عن أزمة يجب على الإسلاميين ان يتوقفوا عندها، ويعيدون على أساسها تقييم منظومة الحلال والحرام. لأن الاستمرار بالفشل مؤشر خطير.
اليوم لا تستطيع قوة على الأرض أن تحول بين العوائل وبين متابعة المسلسلات الرمضانية، وهي متابعة تبدأ، عند الكثير من العوائل المسلمة، قبل مدفع الإفطار، ولا تنتهي إلا عند وقت السحور، وتستغرق اغلب الوقت الذي يفترض بانه مخصص للعبادة والذكر، لكن هذه العبادة وذاك الذكر مستحبان وليسا واجبين. وهنا تأتي المناقشة، فسعي بعض رجال الدين الى التشنيع على بعض العادات الاجتماعية ومحاولتهم الصعود بما هو مستحب إلى درجة الواجب، يكشف عن جهل كبير. جهل يضع الدين أمام تحدٍ خطير، فاذا انصاع لهؤلاء المشنعين، الناس فسينصاعون كارهين، ما يحول الدين إلى شيء يشبه الدواء المر. وإذا لم ينصاعوا فَسَتَسْهُل عملية الاستهانة بالدين وبتعاليمه. يا سادتي الكرام، تدينوا كما تريدون، لكن اتركوا الناس تطبق الدين بالطريقة التي تُحب ولا تتقاطع مع جوهر الدين، اقبلوا بهذا الخيار أو بخيار مواجهة الفشل الفاضح الذي اثبتنه مسيرتكم الطويلة عبر التاريخ.
نصيحة للإخوان المسلمين
[post-views]
نشر في: 8 يوليو, 2013: 10:01 م